انتصار «صقور» واشنطن

TT

لم يكن هناك عاقل يتوقع من الادارة الاميركية ان تكون محايدة أو نزيهة مئة في المئة في الصراع العربي ـ الاسرائيلي.. ولكن ايضا لم يكن متوقعاً ان يأتي بيان بوش عن رؤيته لطريق السلام منحازا بهذا الشكل الى اسرائيل، والى الحد الذي تحدث فيه معلقون غربيون (وليسوا عرباً) عن ان البيان بدا كما لو ان ارييل شارون كتب بعض فقراته وعباراته.

لقد جاء البيان انتصارا لتيار الصقور في ادارة بوش، وهو تيار متعال في نظرته الى العرب، منحاز الى درجة العمى في رؤيته للصراع الحالي، ومؤيد بشكل مطلق لحكومة شارون وسياساتها المتطرفة. فالبيان الرئاسي يطلب كل شيء من الفلسطينيين ومن العرب، بينما لا يطلب من اسرائيل ان تفعل شيئا الآن. يطلب من الفلسطينين قيادة جديدة من دون ان يتحدث عن توفير الظروف التي تمكن الشعب الفلسطيني من اجراء انتخابات حرة تنظم في ظروف آمنة وليس تحت فوهة المدافع الاسرائيلية وفي ظل الاحتلال البشع. ويطلب من العرب خطوات فورية لضمان أمن اسرائيل ولوقف المقاومة حتى المشروعة منها، بينما لا يطلب من اسرائيل خطوات فورية حاسمة توقف عمليات الاجتياح اليومية للأراضي الفلسطينية وتمنع ممارسات الاذلال للفلسطينيين. فحتى دعوة بوش لانسحاب القوات الاسرائيلية الى مواقعها قبل اندلاع الانتفاضة جاءت مربوطة بشرط «احراز تقدم فيما يتعلق بالأمن» للاسرائيليين، وهي لغة تعطي رجلاً دموياً مثل شارون الضوء الأخضر ليقرأها بالشكل الذي يجعله يواصل سياسات القمع والاذلال والتقتيل للفلسطينيين.

الواضح ان ادارة بوش باتت في قبضة «الصقور» الذين يرون الأمور فقط من منظار الحرب ضد الارهاب، والذين يتجاهلون البعد الأخلاقي والانساني والتاريخي للأزمة الراهنة المتمثل في الاحتلال الاسرائيلي، ويرون القضية فقط من منظور العمليات الانتحارية فيعتبرونها «عدوانا» على الاسرائيليين وليست نتيجة للاحتلال ولفقدان الأمل عند الفلسطينيين.

ان بداية طريق السلام يجب ان تكون باعطاء أمل لكل الأطراف وليس لطرف واحد، ويجب ان تكون باستخدام لغة متوازنة وليست منحازة بالشكل الذي جاء فيه بيان بوش. صحيح ان الخطاب احتوى ايجابيات، لكنها دفنت وسط العبارات القاسية والسياسات المنحازة بشدة الى مواقف شارون. وللتدليل على ذلك تكفى الاشارة الى ما ذكرته صحيفة «يديعوت احرونوت» الاسرائيلية التي وصفت بوش في مقالها الافتتاحي امس بأنه «عضو جديد في الليكود»، أو ما قالته صحيفة «هآرتس» من ان الخطاب يعتبر «انتصارا دبلوماسيا لارييل شارون».

ان الوقت الآن ليس وقت القنوط بل وقت مضاعفة الجهد باتجاه واشنطن للعمل على إحداث توازن في خطابها وفي سياستها، حتى لا تبقى الساحة للاسرائيليين وحدهم ولاصدقائهم من عناصر الصقور في الادارة الاميركية.