واشنطن تمنح شارون ضوءا أخضر للتحرش بسورية

TT

بينما انصب الاهتمام الشعبي في الولايات المتحدة وانحاء العالم على التطورات الاخيرة بشأن النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني المحتدم، يبدو ان احداثا اخرى مهمة قد تقع في الحدود الاسرائيلية الشمالية. فللمرة الاولى منذ ان قام وزير الدفاع الاسرائيلي حينئذ ارييل شارون، برعاية اميركية، بغزو لبنان في عام 1982، تبدو في الافق مؤشرات قوية على ان الرئيس الاميركي منح اسرائيل الضوء الاخضر لمهاجمة اهداف في الاراضي السورية في حالة تصاعد حدة المواجهة بين اسرائيل وحزب الله.

فبعدما ظلت الولايات المتحدة ولعقود تمنع اسرائيل من مهاجمة سورية، الامر الذي ساهم في منع حدوث حرب اقليمية. يبدو ان القيود الاميركية زرعت في نفوس السوريين الثقة بأن واشنطن قد تكبح جماح الاسرائيليين المتعلقة بـ«مهاجمة مصدر متاعبهم» المتمثل في الجماعات اللبنانية، وابرزها حزب الله، عن طريق مهاجمة من يرعاها، الا وهو سورية.

ويبدو ان جملة من المعطيات تشير الى ان سياسة الولايات المتحدة المتعلقة بهذه المسألة، باتت تتجه نحو مسار يميل لمزيد من العنف، فهناك شعور متنام بأن سورية تعد عضوا ثانويا في محور الشر، وداعما للارهاب العراقي والفلسطيني. كما ان هناك ربطا متزايدا بين «مشاكل اسرائيل مع العرب» في المناطق الفلسطينية وفي غيرها من الاماكن، والمشاكل التي تواجهها الولايات المتحدة، اضافة الى زيادة حجم ترسانة الاسلحة التي يحصل عليها حزب الله من سورية وايران. كما ان هناك حكومة اسرائيلية تبدو مستعدة على خلاف سابقاتها لشن هجوم مباشر ضد سورية.

وبالفعل فإن حكومة رئيس الوزراء شارون فكرت في توجيه مثل هذه الضربة خلال العام الجاري. وطبقا لما قاله الخبير الاسرائيلي ايال زيسر، فإن العداوات بين اسرائيل وحزب الله لم تصل الى حد الحرب خلال شهر ابريل (نيسان) الماضي، ليس لأن الولايات المتحدة تعارض مثل هذه الحرب، بل لأن شارون استنتج ان شن هجوم عسكري بدون الحصول على دعم شعبي واسع قد يعني الهزيمة.

على ان شارون يتمتع بتأييد الرئيس بوش، وخلال مباحثاته التي جرت اخيرا في واشنطن اوائل الشهر الجاري، وجد نفسه في موقف غير مألوف حيث تبنى قيم الحذر والصبر وحث البعض في وزارة الدفاع الاميركية ومبنى الكابيتول هيل (البرلمان) على تبنيها.

ويشعر شارون بالثقة من ان المواجهة مع حزب الله ومع سورية في ظل قيادة الرئيس بشار الاسد الذي لا يتمتع بخبرة واسعة، ويبدو انه غير قادر او غير مستعد لكبح جماح انصار المواجهة المسلحة ـ هذه المواجهة ـ مرتبطة بالوقت فقط.

وهنا لا بد من طرح السؤال التالي: هل من المعقول ان تدعم ادارة الرئيس بوس مثل هذه السياسة؟ فسورية هدف يرى البعض انه يستحق الهجوم. وواشنطن تعتبرها ضمن قائمة الدول المعدودة التي تدعم الارهاب وانها ساحة للاسلحة الكيماوية. وتوجيه ضربة لسورية قد يصوره بعض انصار بوش على انه ضربة استهدفت الارهاب. وقد يرى البعض ان هذه الضربة قد تمثل المرحلة الاولى لحملة الاجراءات العسكرية الوقائية التي تبناها بوش في خطابه الذي ألقاه اول ايام شهر يونيو (حزيران) الحالي.

ويطرح البعض ايضا ان وضع حد لما تتمتع به سورية من حصانة ضد ذراع اسرائيل العسكرية الطويلة، قد يساعد الرئيس الاسد على احكام قبضته على حكومته والتخلص من المتشددين الذين يهيمنون على حزب البعث الحاكم. كما يطرحون ان مثل هذا الهجوم قد يوفر للاسد الفرصة التي يبحث عنها للبدء بتواصل حقيقي مع العاصمة واشنطن.

لكن تصعيداً من هذا النوع، يعد مغامرة حقيقية. فشارون يشعر بالابتهاج لمثل هذه المغامرة، لكن الولايات المتحدة بحاجة لتذكر ان شارون اثبت بأنه اكثر تعوداً على الدخول في متاعب ـ ليست فقط متعلقة باسرائيل بل بالولايات المتحدة ايضا ـ بدلا من الخروج منها.

* مدير هيئة سلام الشرق الاوسط خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)