امتحان الرابع من يوليو

TT

إذا كانت ثمة عبرة بارزة من التراجع الحاد الذي شهدته اسعار الاسهم في سوق لندن المالية اول من امس، فهي في تأكيده صعوبة عزل سوق ما عن تقلبات الاسواق العالمية الاخرى، من جهة، واستحالة تمتع اي سوق كانت بمناعة ذاتية تقيها من تبعات فقدان الثقة بسوق أخرى، من جهة ثانية.

نكسة بورصة لندن الاخيرة ردها المحللون الى تفشي المخاوف في اوساط رجال الاعمال والمستثمرين من ظاهرة الفضائح المتتالية لشركات المحاسبة الكبرى، وبالتالي الى فقدان الثقة في مصداقية الارقام التي تعلنها عن نتائج الشركات والمؤسسات التي تدير حساباتها، فبعد فضيحة «انرون» و«آرثر اندرسون» و«وورلد كوم»، والشائعات المتواترة عن اوضاع «فودافون»، لم تعد بيانات شركات المحاسبة تعني الكثير للمستثمرين وللمتداولين باسهم الشركات الكبرى. باختصار، «عولمة» القلق باتت ظاهرة ملازمة لاداء الاسواق المالية وربما الظاهرة الاكثر تأثيرا على توجهات المستثمرين بدليل ان التراجع الاخير، والحاد، في اسعار الاسهم في سوق لندن جاء في اعقاب اعلان وزراء مالية الدول الصناعية السبع، بعد لقاء كانانسكيس (كندا) ـ قبل أقل من ثلاثة اسابيع ـ عن رؤية تفاؤلية في اقتصاد العالم تنقذه من التباطؤ الذي شهده العام الماضي. وقد يكون العامل الاخر الذي ساهم في تعميق الشكوك في اتجاهات الوضع الاقتصادي الدولي ان «عولمة »المخاوف الاقتصادية تزامنت مع «عولمة» المخاوف السياسية في اعقاب تدابير امنية لا سابق لها اتخذتها الولايات المتحدة بمناسبة احتفالات الرابع من يوليو (تموز) الحالي، أي أول عيد استقلال يحتفي به الاميركيون بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) الماضي.

في هذا السياق يعتبر حث الرئيس جورج بوش الاميركيين «على التجمع... واحياء العيد»، وتأكيد المتحدث باسم البيت الابيض، آري فلايشر، بان الاجراءات الامنية المتخذة بمناسبة عيد الاستقلال هي «اجراءات احترازية» تقررت رغم انها «لا تأتي ردا على تهديد محدد» باحتمال تعرض الولايات المتحدة لهجمات ارهابية في هذه المناسبة... مؤشرين لحالة نفسية قومية لن تتجاوزها الولايات المتحدة قبل انقضاء سنوات على اعتداءات 11سبتمبر وربما قبل اطمئنانها تماما الى نجاح حملتها المستمرة على الارهاب الدولي. ولان الولايات المتحدة، بصفتها الاقتصاد الاكبر في العالم، هي «محرك» النمو الاقتصادي العالمي، واي مناخ نفسي تمر به ينسحب حكما على مناخات الاقتصاد العالمي ككل، يبدو مبررا اهتمام اسواق المال الرئيسية في العالم أجمع بان تنقضي ذكرى الاستقلال الاميركي، هذا العام، بسلام وهدوء كي يبدأ هاجس الارهاب بالانحسار وكي تعود الولايات المتحدة الى مناخها السياسي والاقتصادي العادي... وكي لا يدفع الاقتصاد العالمي ضريبة العولمة.