الفساد الصغير والفساد الكبير

TT

ركبت «بساط الريح» ويممت شطر رام الله، متجنباً التحليق في الاجواء الاسرائيلية. ولم ابلغ الرئيس ياسر عرفات مسبقاً بالوصول لعلمي انه لا يزال ممكنا لي الدخول الى مكتبه من دون موعد مسبق. وقد بادرته بالقول انني على عجل وان عليَّ العودة سريعا قبل ان يكتشف امر «بساط الريح» الرابض في خرائب المقر. وسألني ابو عمار ماذا اريد ان اعرف منه على وجه الضبط. وقلت انني في الحقيقة احمل سؤالاً واحداً لا غير. فالجميع هذه الايام يتحدث عن مستقبلك: من جورج بوش الى رقباء الشرطة الفلسطينية الى توماس فريدمان الى المحللين الروس الى المخاتير العرب. وانا شخصياً حريص على ان اعرف منك شيئاً ما، فما هي نواياك بالتحديد. ورفع ابو عمار الكوفية ووضعها جانباً كالمعتاد، ومسح رأسه بيده اليمنى، قال: «اسمع. لقد قررت العمل باوامر الرئيس بوش (استخدم كلمة اوامر) في ما يتعلق بالفساد اولا. وقررت ان اجري عملية تنظيف شاملة في كل المؤسسات. لكنني قلت للعزيز جورج (George Dear) علينا ان نبدأ هذه المرحلة معاً. انا، ارد للشعب الفلسطيني كل مال مهدور مهما بلغ: عشرون، خمسون، مائة، مائتان، مليون دولار. وسيادتك ترد للشعب الاميركي المال المسروق في انرون واندرسن وماندرسن وساندرسن وصن اند صن. ومقدار حوالي مائة مليار دولار على الاقل. نصب واحتيال وسرقة ونهب ولا قضاء ولا احكام ولا ادانات ولا سجون بل حزانى ومن يحزنون ومن يجنون ومن يفقدون مالهم ومدخراتهم وعقولهم وارزاقهم وارزاق عائلاتهم وابنائهم».

«قلت له (الكلام لا يزال لابو عمار) اسمع بقا سيادتك. الدولار ساقط زي النيران الصديقة. والبورصة تأكل فلوس الناس زي النار بتاع جهنم. وانا متهم بعشرين الف دولار مساعدات وسيادتك طلبت 50 مليار دولار دفعة اولى على محاربة الارهاب و20 مليار دولار مساعدة لشركات الطيران وحولت اميركا في شهرين ثلاثة من بلد فائضه الف وخمسمائة مليار دولار الى بلد مدين باكثر من كده. وانا ما عنديش رواتب المعلمين. وما عنديش رواتب الشرطة وما عنديش ادي اهل جنين عشان ياكلو عيش، وفساد ايه سيادتك ده؟ ما هو مفيش فلسطيني قادر يروح شغلو.

وقلت للرئيس الفلسطيني، هل ستقول كل هذا الكلام حقاً للرئيس الاميركي؟ لقد القى خطاباً حاول فيه ان يلغيك من الذاكرة ومع ذلك «رحبت به». هل بالمناسبة رحبت بالخطاب قبل او بعد ان تقرأه؟ قال: «دعني اعترف لك بانني اصدرت بيان الترحيب قبل ان اقرأ الخطاب. لان النتيجة واحدة في اي حال. وبعد قراءته رحبت به من جديد. وقلت في نفسي دع الرجل يقول ما لديه. اعطه الفرصة. كن ديموقراطيا. اصغ الى وجهة نظره. حاول ان تتفهم شكاويه ومطالبه. وبعدها ترى....».

قلت مقاطعاً: وهل تتوقع حقاً اي تغيير في الموقف الاميركي منك؟

اجاب: «لا. طبعاً لا اتوقع اي تغيير، لا مني ولا من سواي، لكنني افكر الآن في عشرات الالاف من العاطلين عن العمل وفي الناس التي ليس لديها ما تأكل وفي الحواجز الاسرائيلية التي تشل حياة الشعب الفلسطيني وفي العائلات التي لا تملك ربطة خبز وفي المدارس المغلقة وفي المستشفيات التي لا تملك ادوية ولا كهرباء وطبعاً لا رواتب. هذا ما افكر فيه. اما اذا كانت سدرة المنتهى عند الديموقراطية الاميركية ان اغير قادة الشرطة وضباط الامن، فلماذا لا ويريدون انتخابات فلتكن انتخابات عاجلة وليأت الرئيس الاميركي السابق جيمي كارتر مع فريقه للشهادة على نزاهتها».

وقلت للرئيس عرفات وانا ألملم اوراقي واودعه: «انت تعرف المشكلة اكثر من غيرك. فمن عادتنا نحن العرب ان نتلاعب بصناديق الاقتراع لكي تكون لنا الديموقراطية التي نريد: مائة في المائة والمعترض خائن والمعارضة «كلاب ضالة» او «كلاب شاردة».

اما المشكلة مع الديموقراطية الاميركية فهي تقرر من يمكن ان يرشح نفسه وليس من يمكن ان يفوز. رحم الله بريجنيف»!