هرباً منه وقوعاً فيه!

TT

مع تصاعد الحديث داخل المجتمع الفلسطيني عن اهمية الاصلاحات وضرورة اجراء انتخابات نيابية ورئاسية، اقر ياسر عرفات خطة المائة يوم وابرزها وضع اموال السلطة الفلسطينية في حساب مصرفي واحد، واقالة جبريل الرجوب من منصبه كرئيس لجهاز الامن الوقائي في الضفة الغربية واللواء غازي الجبالي من منصبه كقائد للشرطة في قطاع غزة. وقد جاءت خطوات عرفات بعد المظاهرات الخطيرة التي وقعت في غزة واتهم فيها المتظاهرون السلطة بـ«المافيا»، انما الى جانبها سارت مظاهرات تدافع عن ياسر عرفات كزعيم يجب الا يطاله ابعاد.

الاسلوب الذي اعتمده الرجوب بأن كل ما تردد ليس الا اشاعة يكشف اولا الصراع على السلطة وثانيا ان الفضوى تسري في صفوفها.

قبل ان يصدر امر اقالة الرجوب والجبالي، دعت كتائب شهداء الاقصى التابعة لمنظمة فتح، كل المنظمات الفلسطينية الى شن هجمات على اهداف اميركية ويهودية في العالم، انتقاما لما لمسته من جهود اميركية للاطاحة بالقيادة الشرعية للشعب الفلسطيني. عرفات من ناحيته وضع مسافة بينه وبين هذه الدعوة، واذا سلمنا بان لا احد وراءها، فان الدعوة تظهر ان الردود الوحيدة التي صارت تتعامل بها بعض المنظمات الفلسطينية هي في اللجوء الى العنف.

بعدها، جاءت اوامر عرفات باقالة الرجوب والجبالي، وكان محمد دحلان رئيس الامن الوقائي في غزة، اذكى من الرجوب عندما اسرع الى تقديم استقالته، ربما لاهداف اخرى تهيئه للرئاسة، في حين ان هذه الخطوة، فاتت على الرجوب، لاعتقاده ان من يكون خارجا يظل خارجا ولا يستعان به.

على كل، ولو بدت خطوة عرفات انها تدخل في اطار الاصلاحات، الا ان اللعبة واحدة في المحصلة، فهما اما سيعتبران نفسيهما ضحية لارضاء الاميركيين والاسرائيليين، واذا اصرا على عدم الاذعان للاوامر فعندها سيظهر عرفات بالزعيم الضعيف، واذا التزما فسوف يتهمانه بانه ينفذ اوامر الغرب، وفي الحالتين سيبدو موقفه ضعيفا.

كان يمكن لكل هذه المواجهات ان لا تحدث لو ان السلطة الفلسطينية وثقت بنفسها وبأنها سلطة قادرة واقامت مؤسسات تحترم وتحمي حرية الفرد وحرية التعبير والتعددية الحزبية والاعلام الحر. ان السلطة الآن تدفع ثمن تحدياتها المستمرة للواقع، فهي ارتكزت على اجهزة امنية قامت بكل ما طلب منها من ادوار، فأصبح الفلسطينيون، اذا ما نادوا بالاصلاحات وخاصة الامنية، تتهددهم حرب اهلية، واذا ما نادوا بالتغيير قيل لهم ان البديل هو التطرف.

احد زوار عرفات قال ان رئيس السلطة الفلسطينية هرم كثيرا في هذه الفترة، ومرتبك، لا يصدق كيف ان اسلوبه في تحدي كل الطوارئ والافلات من كل الزوايا الضيقة لم يعد يسعفه.

فهل تغير العالم الى هذه الدرجة!