إخفاق في فيينا

TT

في خطوة يخشى ان تزيد الاجواء الاقليمية توتراً رفضت بغداد اول من امس طلب الأمم المتحدة عودة المفتشين الدوليين على اسلحة الدمار الشامل الى العراق. والواقع انه رغم توقع عدد من المراقبين ان يظهر الجانب العراقي تشدداً في مفاوضاته مع المنظمة الدولية في هذا الشأن، الا ان قلة من هؤلاء توقعوا اغلاق باب الحوار بالصورة القاطعة التي اغلق بها. ذلك ان بداية المفاوضات شهدت تبادل ابتسامات ولياقات دبلوماسية متفائلة قبل ان ينتهي كل هذا إثر مكالمة هاتفية غامضة من بغداد.

ما حصل رسالة واضحة مؤداها ان القيادة العراقية ليست في وارد الموافقة على عودة المفتشين في اي ظرف من الظروف. وهي تصر على الغاية الوحيدة المقبولة لأي مفاوضات وهي وضع جدول زمني لرفع غير مشروط للعقوبات الدولية المفروضة على العراق منذ 11 سنة. وفي المقابل تصر الامم المتحدة من جهتها، ومن خلفها بالطبع القوى الغربية الكبرى، على رفض رفع العقوبات قبل ان يعود المفتشون لمزاولة عملهم بلا عرقلة او إعاقة.

راصدو المناخ السياسي الدولي الراهن يرون في هذا الموقف العراقي تشدداً يصعب فهمه خصوصاً من منطلق انه صادر من حالة ضعف. اذ ليس امام العراق اي فرصة في إجبار الامم المتحدة على رفع العقوبات قبل ان تطمئن المنظمة الى انه ملتزم بما وافق عليه ضمن شروط هدنة 1991 وما تلاها من قرارات ذات صلة صادرة عن مجلس الامن. وبالتالي يرى هؤلاء الراصدون ان إغلاق الباب من دون فتح نافذة للمساومة لا يمكن الا ان يطيل أمد معاناة الشعب العراقي.

وهنا يجدر التذكير بأن رولف ايكيوس رئيس فريق المفتشين عام 1996 قال يومذاك ان مهمة التفتيش ستنجز في غضون سنتين، مما سيسمح لاحقاً برفع العقوبات. كما كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على وشك تبرئة العراق من التورط بتطوير اسلحة نووية او تخزينها. غير ان بغداد اختارت الدخول في لعبة «أخذ ورد» مع فرق التفتيش، ثم طردتهم قبيل انتهاء مهلة السنتين التي حددها ايكيوس.

مثل هذه الأمور تدفع البعض للتساؤل عما إذا كان لجهات ما داخل القيادة العراقية رغبة وطيدة باستمرار التوتر والتأزيم اللذين يحولان حتماً دون رفع العقوبات.

ولكن في المقابل يجب الا تستغل الولايات المتحدة انهيار مفاوضات فيينا كذريعة يبرر معها «صقور» الادارة الاميركية من جانبهم إغلاق كل ابواب التسوية الدبلوماسية. كذلك في وضع كالذي تراه الامم المتحدة امامها على المنظمة الدولية الا تتخلى عن واجباتها وأخلاقياتها امام معاناة ابناء الشعب العراقي الابرياء المغيّبين عن آلية اتخاذ القرار.