بوش وأزمة الرأسمالية

TT

لأن ادارة الرئيس بوش تعتبر، على وجه العموم، الوجه السياسي لعالم المال والأعمال الاميركي، فانها تجد نفسها متورطة باستمرار في الفضائح المالية التي هزت الثقة في الولايات المتحدة كملاذ آمن للمستثمرين. وفي محاولة منه لاستعادة هذه الثقة المفقودة القى الرئيس بوش خطابا عنيفا يوم الثلاثاء في نيويورك. وقد وعد في ذلك الخطاب اتخاذ اجراءات جديدة ضد أرباب العمل الذين يستغلون مواقعهم على رأس الشركات من اجل الثراء الشخصي على حساب حملة الاسهم العاديين.

ليس واضحا بعد كيف يمكن تطبيق هذه الاجراءات الجديدة. ولكن الواضح هو ان الرئيس بوش ليس مستعدا للتعامل مع المجرمين في مجال المال والاعمال بنفس الطريقة التي يتعامل بها مع المجرمين الآخرين. وهذا هو الضعف الاساسي في الاجراءات التي ينوي اتخاذها. فليس ثمة سبب واحد يستدعي معاملة مدير تنفيذي لاحدى الشركات، يختلس من اموال حملة الاسهم، بصورة مختلفة عن تلك التي يعامل بها المجرمون «العاديون».

ولذلك، ومع كل العنف الذي اتسم به خطاب بوش، فانه لم يكن مقنعا. فقد كان اقرب الى التبرير والاعتذار لجماعات المال والاعمال الاميركيين، منه الى نداء باتخاذ خطوات حازمة ضد اولئك الذين يتصرفون وكأن الرأسمالية نوع من القرصنة المعاصرة.

ولا شك ان العالم الحديث، بمستويات معيشته العالية وبقوته العلمية والتكنولوجية الجبارة وبامكانياته التي لا تصدق على خلق الثروات ومراكمتها، كان من ثمرات الرأسمالية. ولكن الرأسمالية لا يمكن أن تنجح في معركة البقاء، دع عنك ان تتقدم وتزدهر، اذا كانت تفتقد الثقة بالذات. وما الاستثمار سوى تأجيل الاستهلاك املا في مكافآت وخيرات يجلبها المستقبل. واذا انعدم مثل هذا الامل، فان الاستثمار يصبح غير ممكن. واذا غاب الاستثمار غابت الرأسمالية.

ومع ذلك فان الأزمة التي تمر بها الرأسمالية حاليا ليست أزمة بنيوية. وفي حقيقة الأمر فان البنيات متوفرة تماما لتلعب الرأسمالية دورها في تعزيز الاقتصاد العالمي وفتح الاسواق الجديدة وترقية المستويات المعيشية لملايين الناس وخاصة في ما يعرف بالعالم الثالث.

أزمة الرأسمالية الحالية يمكن ان يقال عنها انها اخلاقية، وهذا اكثر خطورة في الحقيقة. فلا يمكن أن تكون هناك رأسمالية اذا انعدمت الثقة، وهي مفهوم اخلاقي جوهري. واذا كان لصوص وول ستريت الذين تسببوا في الازمة الحالية، جاهلين بهذه الحقيقة الجوهرية، فان هذا لا علاقة له بالموضوع. ما له علاقة بالموضوع هو ان هؤلاء سمح لهم بان يفعلوا ما شاءت لهم اهواؤهم ان يفعلوا وانهم ما يزالون طلقاء دون ان يطالهم العقاب.

ان الاجراءات التي اقترحها بوش لمواجهة هذه الخيانة للاخلاق الرأسمالية، جاءت متاخرة جدا وكانت اقل من المنتظر. وان عليه ان يراجع نسخته من الخطاب. فالاجراءات الصارمة هي الحل اذا شاء لهذه الازمة ان تنجلي، ولسحبها الداكنة ان تنقشع.