القادة العرب مطالبون بالتحرك لوقف المجزرة في فلسطين قبل مجيء باول

TT

عندما طرح اللواء عمر سليمان على رئيس الوزراء الاسرائيلي ضرورة الانسحاب من المناطق الفلسطينية والمدن والقرى والمخيمات، اجابه شارون بشكل شبه ساخر: لا ادري لمن ستسلم هذه المناطق عندما ننسحب منها، مشيرا الى ان اسرائيل قامت بتدمير البنية التحتية للسلطة واجهزة امنها وحولت المؤسسات اما الى ركام او الى مؤسسات لا يستطيع العاملون فيها الوصول اليها لتأدية واجبهم.

وكان مصدر امني اسرائيلي رسمي قد صرح مباشرة بعد مغادرة اللواء عمر سليمان عائدا الى مصر بأن خطة طريق الاصرار قد تستمر لمدة سنة. وقال المصدر ان وجود الجيش الاسرائيلي في المدن الفلسطينية ضروري حتى يتم الانتهاء من بناء الجدار الفاصل وذلك بهدف منع العمليات التفجيرية.

بين ما قاله شارون للواء عمر سليمان وما صرح به مصدر امني اسرائيلي مسؤول يتضح ان شارون يريد ان يخلق امرا واقعاً جديدا عبر التقادم الزمني. وكنت قد حللت موقف شارون هذا قبل اربعة أشهر في مقال نشرته «الشرق الأوسط» آنذاك تحت عنوان «شارون يتبع خطة تقادم الامر الواقع».

ولا اعتقد اننا بحاجة الى شرح حول ما يجري في الاراضي الفلسطينية او وصف الجرائم الجماعية التي ترتكب ضد الشعب الفلسطيني لكننا نكتفي بتنبيه الرأي العام الى الحقائق التالية:

1 ـ إن الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة يعيش حياة مريرة داخل معسكرات اعتقال كبيرة.

2 ـ ان الاحتلال الاسرائيلي حوَّل كل مدينة وكل قرية وكل مخيم في الضفة الغربية الى سجن كبير. كما انه حوَّل كل بيت من البيوت الى زنزانة تحشر فيها العائلة الفلسطينية.

3 ـ ان العائلات باطفالها وافرادها تمنع من الخروج من تلك الزنزانة (البيوت) او ان تتحرك من بيت الى بيت لأن نظام منع تجول خانقاً يفرض على معسكرات الاعتقال الجديدة.

4 ـ ان الاتصال او الانتقال من معسكر اعتقال الى آخر ممنوع بقوة السلاح والمدرعات الاسرائيلية.

5 ـ وان الحواجز العسكرية الاسرائيلية التي تتفنن في اذلال الفلسطينيين، تجعل من عبور المرضى امرا غاية في المرارة والعذاب حيثما ترفع السلطات الاسرائيلية الاحتلالية منع التجول لساعة او ساعتين.

لقد خلقت هذه الاجراءات التعسفية وضعا خانقا الى الحد الذي لا يمكن معه لأي عامل من العمل ولأي موظف بالتوجه لعمله ولطواقم الاسعاف والاطباء من التوجه للمستشفيات أو العيادات ولا يمكن للقرى ان تسوق منتجاتها الزراعية في اسواق البلدات والمدن ولا يمكن لأهالي القرى التسوق من المدن والبلدات بحاجيات القرى الضرورية. وفوق هذا وذاك آلاف المرضى، خاصة مرضى الكلى والقلب والسكري والكبد، لا يتمكنون من التوجه للمستشفيات لتلقي العلاج الروتيني الضروري مما جعل حياة كل هؤلاء المرضى معرضة للخطر الشديد ولا يوجد احصاء حول عدد الذين توفوا نتيجة هذا الاجراء الاسرائيلي التعسفي، هذا العقاب الجماعي المحرم من كل المعاهدات والاتفاقيات الدولية.

والآن ما العمل.

ان اخطر ما يجري على الصعيد الدولي هو انه منذ خطاب بوش الذي كافأ به القمة العربية ومبادرتها السلمية بالجحود والنكران، منذ ذلك الخطاب يبدو العالم وكأنه اطفأ الأنوار على الضفة الغربية وقطاع غزة ليسمح لاسرائيل وقوات احتلالها بأن تدمر المجتمع الفلسطيني ومؤسساته وبنيته التحتية. ويمكن للقادة العرب ان يتعايشوا مع هذا، أو ان يصمتوا عنه، واللافت للنظر هنا انه رغم المأساة الدموية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني فإن القادة العرب ووزراء خارجيتهم يؤجلون الاجتماعات التي من المفترض ان تبحث هذه المأساة اجتماعا تلو الآخر. وكان اخرها تأجيل ما اصطلح على تسميته القمة المصغرة، لما بعد قدوم كولن باول للمنطقة.

طبعا كولن باول اعلن التزاما بما طرحه بوش بانه لن يلتقي الرئيس ياسر عرفات، لذا يبدو قرار تأجيل الاجتماع لما بعد وصول كولن باول للمنطقة كأنه موافقة عربية على مقاطعة الادارة الاميركية للرئيس ياسر عرفات.

ان من واجب القادة العرب العمل بسرعة وجدية قبل وصول كولن باول لتصحيح الخطأ الكبير الذي وقع به بوش عندما ربط بين تغيير ياسر عرفات وتنحيته عن قيادة الشعب الفلسطيني وتطبيق الرؤية الاميركية لاقامة دولة فلسطينية ديمقراطية ذات سيادة على الاراضي التي احتلتها اسرائيل عام 1967.

ولقد شرحت في مقالي الذي نشرته «الشرق الأوسط» يوم الخميس الماضي ما هي الوسائل التي يجب ان تتبع لاصلاح هذا الخطأ الكبير. وكنا قد اطلقنا عليه تعبير «خطأ بوش» رغم القناعة بأن في صدر بوش اهدافا اخرى من وراء ذلك الموقف لا تتصل بالشرق الأوسط، بل تتصل بحسابات انتخابية داخلية في الولايات المتحدة، سواء الانتخابات القريبة للكونغرس او الانتخابات الرئاسية القادمة. ان من واجب القادة العرب ان يتحركوا نحو واشنطن وان يحركوا معهم روسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة من اجل انهاء فوري للاحتلال الاسرائيلي. ونقول من اجل انهاء احتلال الجيش الاسرائيلي لمدن وقرى ومخيمات الضفة لاعتراض خطة شارون التي تستهدف خلق واقع جديد (احتلال) استنادا لما يسميه الاميركيون والاسرائيليون انجاز اصلاحات حقيقية وجذرية في مؤسسات السلطة.

فهذه حجة جديدة لشارون ليبقى بجيشه الاحتلالي جاثما على صدور الشعب الفلسطيني لخنقه، اذ لا يمكن ان يربط بين بقاء الاحتلال وانجاز الاصلاحات تماما كما انه لا يجوز ديمقراطيا وسياسيا واخلاقيا ربط مستقبل شعب بأسره وابقاؤه تحت الاحتلال الى ان تفرض على هذا الشعب قيادة تفرزها اسرائيل او الادارة الاميركية. فالاحتلال قضية تعالجها قرارات الشرعية الدولية التي يجب ان تطبق 242 و 338 بينما بناء المجتمع الفلسطيني قضية يقررها الشعب الفلسطيني وليس اي جهة اخرى، فالالتزام بقرارات الشرعية الدولية وتطبيقها هو الاساس الآن.

اما في ما يتصل بأمن اسرائيل وجوابا على سؤال شارون الساخر: لا ادري لمن اسلم هذه المناطق؟ فإننا نطرح حلا ممكنا وغير معقد وهو حل مسبوق فعلا في اكثر من مكان في العالم.

اننا نطلب من الرئيس بوش والاتحاد الاوروبي وروسيا والامم المتحدة ان ترسل قوات من الامم المتحدة وان تكون من ضمنها قوات اميركية لتحل محل القوات الاسرائيلية في كل مكان.

الا يثق شارون بالادارة الاميركية التي دعمته في كل ما ارتكبه حتى الآن ضد الشعب الفلسطيني؟ ومن الممكن ان تشارك في هذه القوات الاممية وتحت علم الامم المتحدة قوات مصرية واردنية، وهما الدولتان اللتان ترتبطان مع اسرائيل باتفاقيات سلام دائم. ان طرح اللجنة الرباعية التي ستلتقي في نيويورك هذا الاسبوع، (بعد لقاءاتها في لندن وباريس الاسبوعين الماضيين) سوف يضع العالم مرة اخرى امام رؤية شارون التوسعية. لكن الاصرار على ارسال قوات لمنع اي عمل ضد اسرائيل ولضبط الحدود بعد ان تنسحب القوات الاسرائيلية وتزال حواجزها عن طرق الضفة والقطاع هو الطريق الوحيد الآن، للبدء بعمليات اعادة بناء المجتمع الفلسطيني ومؤسساته الامنية والمدنية والشروع في مفاوضات سياسية وحماية عملية الانتخابات الديمقراطية في فلسطين.