هذا الخطر الداهم!

TT

لم يثر وباء العالم ويرعبه مثل مرض الايدز. صحيح ان الطاعون اكتسح اوروبا في القرون الوسطى وقضى على الملايين من البشر حتى وصفوه بالموت الاسود نظرا الى بشاعته، وصحيح ان انواعا من الانفلونزا الصينية والاسبانية والاسيوية تعاقبت على العالم منذ مستهل القرن العشرين فقضت ايضا على مئات الالاف من البشر في فترة قصيرة جدا. وصحيح ايضا ان الجدري والكوليرا ضربا العالم على موجات متعاقبة فقضيا على من قضيا واعطبا من اعطبا حتى استطاع العلماء والباحثون ان يستأصلوا جراثيمه الى غير رجعة. لكن الايدز ذلك الوباء الجديد ظل امرا مختلفا تماما، حاصدا الملايين من البشر في كل بقاع المعمورة من دون ان يتمكن العالم من ايجاد حل جذري له، او حتى كبح جماحه ولو بصورة محدودة جدا.

مناسبة الحديث عن هذا الموضوع هو المؤتمر العالمي الرابع عشر الذي يعقد حاليا في برشلونة لمناقشة هذه اللعنة التي حلت على البشرية من دون سابق انذار. ومجرد ان نذكر ان رقم المؤتمر السنوي هذا هو الرابع عشر، ندرك فورا المدة الطويلة التي ما يزال العلماء والباحثون والخبراء يكافحون خلالها لحل المشكلة المستعصية على البشرية.

في برشلونة اليوم يجتمع اكثر من 14 الف طبيب وباحث ومرب اجتماعي وخبير في الادوية والعقاقير وعالم نفسي وسياسي بغية العثور ولو على بصيص ضوء في اخر هذا النفق المظلم. وهم في اجتماعهم هذا اطلقوا نداء للعالم كله من اجل التكاتف والعمل يدا واحدة للحد من انتشار المرض على الاقل، حتى لو استعصى الامر العثور على دواء شاف له، او علاج فعال، او نوع من اللقاح يبعث قليلا من الامل في عالم بات اليأس يتسرب اليه بشكل لم يسبق له مثيل من قبل. والسبب هو ان اخر الاحصائيات تقول ان هناك 40 مليون مصاب بفيروس الايدز في هذا الكوكب الصغير. والادهى من ذلك ان هذا الرقم مرشح لان يرتفع الى 100مليون في غضون سنوات معدودة.

والادهى اكثر فاكثر ان فيروس الايدز إتش آي في بات يتحول ويتمسخ ويغير اشكاله الى انواع اخرى مقاومة للعقاقير الحالية، شأنها شأن البكتيريا التي اكتسبت مقاومة للمضادات الحيوية فلم تعد تقوى على مكافحة السل والالتهابات المختلفة والامراض المعدية الاخرى. وهذا الامر يؤرق الباحثين المجتمعين اليوم في برشلونة.

الجدير بالذكر هنا ان المقاومة للعقاقير الجديدة الفعالة نسبيا، التي تؤخر وطأة المرض، من دون ان تعالجه، او تقضي عليه تماما، كانت صفرا في العام 1996، اي قبل ست سنوات، عندما ادخلت الى العلاج لأول مرة، بينما تبلغ نسبة مقاومة المرض لها حاليا 13 في المائة والحبل على الجرار. ومثل هذه المقاومة جعلت احدث العقاقير المستخدمة حاليا تستغرق اكثر من ثلاثة اشهر من العلاج المستمر قبل ان تظهر شيئا من فعاليتها.

وهذا ما ارهب العلماء والباحثين الذين يفكرون الان في تطوير ادوية اخرى جديدة اكثر فعالية لمكافحة المرض، في ان يؤول مصيرها الى مصير الادوية الحالية التي اصبحت عاجزة عن التغلب على المقاومة التي بدأت تظهر حيالها، وهنا الطامة الكبرى.

المهم ان على المجتمعين في برشلونة اليوم، بعدما عجزوا عن العثور على عقار، او لقاح فعال، ان يفكروا في اساليب جديدة في الوقاية مثل، تدريب الشباب والشابات على التمسك بأهداب الدين وعفة النفس، مع التربية الجنسية الصحيحة، والابتعاد عن العادات الهدامة كالمخدرات والموبقات الاخرى، لكي يجنبوا العالم شر هذا الخطر الداهم.