لماذا يتجاهلون خطة الإصلاح الفلسطينية المعلنة؟

TT

قبل شهر كامل، وبالتحديد يوم 2002/6/12، اصدر مجلس الوزراء خطة الاصلاح الفلسطينية، ممهورة بتوقيع الرئيس ياسر عرفات، وبدأ منذ ذلك الحين وضع الخطة موضع التنفيذ، وظهر منها الى العلن ما يلي:

1 ـ اقرار القانون الاساسي (الدستور) ووضعه موضع التنفيذ.

2 ـ انجاز التغيير الوزاري واعتبار الوزارة الجديدة في مهمة مؤقتة.

3 ـ استحداث منصب وزير الداخلية، والذي يعني ان الرئيس عرفات بدأ بنفسه وتخلى عن جزء من صلاحياته، مسلما هذه الصلاحيات الى اللواء عبد الرزاق اليحيى.

4 ـ التوجه لتغيير قادة اجهزة الامن، وتسليم تلك الاجهزة لقادة جدد يستطيعون التعاون بليونة مع وزير الداخلية الجديد.

5 ـ تحديد مواعيد للانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية وهي مهمة يتولى تنفيذها وزير الادارة المحلية صائب عريقات.

وقد تم اقرار هذه التغييرات بالذات لان الرئيس عرفات قادر على انجازها، فهي ترتيبات داخل البيت. ولكن ثمة تغييرات لا يستطيع الرئيس ياسر عرفات انجازها وحيدا، ولا بد قبل ذلك من انسحاب اسرائيلي، ومن تحصيل الاموال الفلسطينية المحجوزة لدى اسرائيل، ومن اعادة بناء هياكل الوزارات الفلسطينية التي هدمها ونهبها الجيش الاسرائيلي، حتى يمكن انجاز ما تبقى من خطة الاصلاح المقررة، فالانتخابات مثلا لا يمكن انجازها مع بقاء قوات الاحتلال، وقرارات منع التجول وعمليات الاعتقال اليومية في المدن والقرى. وقد فاجأ عرفات ضيوفه الغربيين حين طلب منهم اقناع صائب عريقات بالعمل السريع لوضع قضية الانتخابات موضع التنفيذ، وهنا بادر عريقات لشرح وجهة نظره لضيوف الرئيس وخلاصتها انه لا يمكن اجراء الانتخابات في ظل الاحتلال ولذلك فهو غير متحمس للعمل لانه لا يرى حتى الآن افقا للانسحاب المنشود. ويسود في اوساط المحيطين بعرفات رأيان: رأي يرى ان اسرائيل ستمنع اجراء الانتخابات حين يحين موعدها وآخر يرى ان اسرائيل ستتراجع في النهاية بطلب من الولايات المتحدة، لانها ستكون في وضع محرج اذا هي لم تفعل ذلك.

لقد ورد في خطة الاصلاح الفلسطينية، وتحت البند الذي يحمل اسم «في مجال الامن الداخلي» ما يلي:

بند 1 ـ اعادة هيكلة وزارة الداخلية وتحديث اجهزتها بما يتناسب مع متطلبات الظرف الراهن.

بند 2 ـ الحاق جهازي الامن الوقائي والشرطة المدنية والدفاع المدني بوزارة الداخلية بحيث تتولى جميع شؤون الامن الداخلي وفقا للقانون.

بند 3 ـ تفعيل دور وزارة الداخلية واجهزتها في تطبيق احكام القضاء.

بند 6 ـ ترسيخ نهج الولاء والانتماء للسلطة والوظيفة في اجهزة الامن الداخلي انطلاقا من انتمائنا الوطني.

واستنادا الى هذه البنود تسقط المقولة الرائجة والقائلة ان الاصلاحات الفلسطينية تتم بشكل مرتجل ومن دون رؤية شاملة ومن دون خطة موضوعة سلفا ويتأكد ان كل ما يجري هو تطبيق لخطة اصلاح موضوعة سلفا، وتم اعلانها ونشرها في الصحف المحلية والعربية، ولكن تطبيق هذه الخطة ليس مرهونا بالرئاسة الفلسطينية وحدها، ولا بالوزارة الفلسطينية وحدها، اذ هناك عامل اساسي معرقل لكل شيء هو الاحتلال الاسرائيلي واجراءاته القمعية التي تجاوزت كل حد.

وحين نلقي نظرة مدققة على خطة الاصلاح الفلسطينية، نجد فيها بنودا هامة للغاية، وتقرر تغيير كثير من الاسس التي كانت سائدة داخل السلطة الفلسطينية ونسجل هنا ابرزها:

ـ العمل على وضع جميع القوانين التي مرت في مراحل اقرارها حيز التنفيذ (بند في المجال العام بند 4). وهذه نقطة هامة للغاية، تزيل خلافا كبيرا كان قائما بين المجلس التشريعي والرئاسة الفلسطينية، وتعيد للمجلس التشريعي دوره الفاعل في سن القوانين وتنفيذها.

ـ وتحتوي الخطة «في مجال المالية» على بنود عديدة تشكل مدخلا لحل الكثير من الاشكالات التي كانت قائمة في السابق، فهي تدعو الى حصر كل واردات السلطة المالية (ضرائب، رسوم، ارباح السلطة من نشاطاتها التجارية والاستثمارية، المساعدات الخارجية) في حساب واحد موحد للخزينة. ان هذه النقطة تعني صلاحيات الرئاسة الفلسطينية بالتحديد، فهي التي كانت تشرف على «نشاطات السلطة التجارية والاستثمارية» وتصرف اموالها بالطريقة التي تراها مناسبة بشكل مواز لعمل وزارة المالية.

ـ وتطبيقا لذلك نصت الخطة ايضا على «انشاء صندوق فلسطيني للاستثمار تعهد اليه مسؤولية ادارة كافة هذه العمليات، ويدار من قبل مجلس ادارة تخضع اعماله للمساءلة ولأعلى معايير الافصاح والتدقيق»، وبهذا تخرج صلاحية الاشراف على مشاريع السلطة التجارية والاستثمارية من نطاق الرئاسة الفلسطينية لتدخل في اطار هيئة اخرى خاضعة للرقابة والمساءلة. ونصت الخطة على انشاء «نظام تقاعد عصري ووضعه موضع التنفيذ على وجه السرعة» وقد تبدو هذه النقطة عادية جدا، ولكنها ذات اهمية خاصة في الوضع الفلسطيني، فهي تشمل مئات من المناضلين الذين دخلوا الى الجهاز الاداري واحتلوا مواقع اساسية فيه بحكم تاريخهم النضالي، وسيؤدي ايجاد نظام التقاعد وتطبيقه الى تغيير كبير في بنية الاجهزة الفلسطينية، بحيث تنتقل من جيل الى جيل، وهو امر يمس خطة الاصلاح والتغيير مسا مباشرا. ونصت الخطة المالية ايضا على «تعيين مراقبين ماليين من وزارة المالية في كافة مراكز المسؤولية» وهو ما سيؤمن رقابة على جميع الوزارات واساليب صرفها للمال العام، كما انها ستكون وسيلة لمنع اسلوب «الاتاوات» على البضائع في المراكز الحدودية او على عقود وصفقات التجار والذي كانت تتبعه بعض الاجهزة الامنية لتأمين نفقاتها الجارية او لتأمين التوسع في عديدها او نشاطاتها. وتعالج هذه الاجراءات الجديدة جانبا كبيرا من القضايا التي كان يشكو منها الناس، وتشكل مدخلا اساسيا لاعادة هيكلة الوضع المالي بشكل ايجابي وفعال.

وتشكل الاصلاحات التي نصت عليها الخطة «في مجال القضاء» قفزة نوعية اخرى، اذ تدعو الى بناء الجهاز القضائي من اساسه، وهي مشكلة كبيرة كانت قائمة في ظل السلطة الفلسطينية. تدعو الخطة الى «توفير العدد اللازم من القضاة وانشاء مبان للمحاكم والنيابة العامة في مختلف المدن الفلسطينية»، اضافة الى «تشكيل محكمة النقض وانشاء دائرة التفتيش القضائي، وتحديث وتطوير ادارة المحاكم.... واعداد مشروعات القوانين والمراسيم والقرارات التي تحتاج اليها المرحلة القادمة»، وكذلك انشاء «ادارة قضايا الحكومة لتتولى متابعة القضايا التي تكون السلطة طرفا فيها».

ونصت الخطة ايضا على: انهاء تدخل اجهزة الامن في شؤون الوزارات وتقليص التوظيف الحكومي وتقديم قانون لمنع الاحتكار سيكون من اهم القوانين المطلوبة وقد شكلت هذه القضايا دائما عائقا امام نمو الاستثمار وامام حرية الحركة لرجال الاعمال.

ان مجموع هذه البنود، لا يشكل خطة للاصلاح فقط، انما يشكل تغييرا اساسيا في بناء السلطة، اداريا وامنيا وقضائيا واقتصاديا بحيث يضعنا عندما تدخل الامور حيز التنفيذ امام سلطة فلسطينية ذات وجه جديد، خال من كثير من الامور التي كانت تعيق التنمية الاقتصادية الفلسطينية.

ومن اللافت للنظر حقا، ان كثيرا من اجهزة الاعلام، وبخاصة الاسرائيلية والاميركية تجاهلت الاعلان عن هذه الخطة بسبب انشغالها في موضوع ازالة الرئيس عرفات اكثر من انشغالها بموضوع الاصلاح الذي تدعو اليه، وحين بادرت العديد من الفضائيات العربية الى الحديث عن «الارتجال الفلسطيني» في تطبيق الاصلاحات، اشاعت جوا خاطئا ومسيئا حين تجاهلت الربط بين الاجراءات وبين خطة الاصلاح المعلنة، فهل كان ذلك مجرد خطأ مهني ام كان اسهاما مقصودا في الحملة على السلطة ورئاستها؟