إيران العجائب والغرائب

TT

من إيران ـ كما من جارها الغربي، العراق ـ يأتي دائما العجب.

فاذا زلزلت الارض واصبح الآلاف ممن حالفهم الحظ بالنجاة في حاجة عاجلة الى الاغاثة ودعت الحكومة في طهران المجتمع الدولي الى مد يد المساعدة واستجابت الحكومات للنداء، وبينها الحكومة الاميركية، يرفع المحافظون الايرانيون ايديهم بالفيتو: لن نقبل بالمساعدة الاميركية. لكنهم، بعد شد وجذب وطلوع ونزول، يقبلون بشرط ألا تحمل الطائرات حاملة المعونات العلم الاميركي.

عشرات الدول تبرعت ولم يعرف بها احد، غير بعض موظفي وزارة الخارجية وجمعية الهلال والاسد الاحمر الايرانيتين وبعض عمال مطار طهران. بيد ان المعونة الاميركية عرف بها العالم كله من اقصاه الى ادناه.. تابع تفاصيل المناقشات بشأنها بين المحافظين والاصلاحيين، وعرف بالصوت والصورة، بموعد انطلاق الطائرة من احد المطارات الايطالية وموعد نزولها في مطار طهران، وكمية الاغذية والادوية والافرشة المقدمة واسم «الوكالة الاميركية للتنمية» التي قدمت المعونة باسمها.. وباختصار حصلت المعونة الاميركية القليلة على اكبر مقدار من الدعاية.. بفضل محافظي بلاد العجائب والغرائب.

وفي هذا البلد يتصرف المحافظون باعتبارهم اولياء الله على الارض والقيمين على الاسلام، ويتفاخرون بان مذهبهم ـ الشيعي ـ أبقى الباب مفتوحا امام الاجتهاد، لكن ما ان يقول مفكر شيعي في مكان عام ان الفكر الاسلامي المعاصر عامة، والشيعي خاصة، يحتاج الى التجديد، وما ان يعيد التذكير بما هو في صلب الاسلام: لا رهبنة في الاسلام والمسلم لا يحتاج الى وسيط بينه وبين ربه، حتى يهتاج المحافظون مثل دبابير دهمتها النار ليرموه بتهمة الكفر والارتداد ويحيلوه على محكمة للاقتصاص منه! وفي بلد العجائب والغرائب هذا يستقيل إمام اصفهان، آية الله طاهري، من منصبه احتجاجا على هذه العجائب والغرائب، فتقرر السلطات العليا منع وسائل الاعلام من نشر الاخبار والتعليقات في هذا الشأن، فتواصل صحافة المحافظين التنديد بالاستقالة وتسعى لتفنيد اسبابها فلا يطالها قرار الحظر، وما أن تنشر احدى الصحف الاصلاحية تعليقا مؤيدا للاستقالة حتى تقرر السلطات المحافظة محق هذه الصحيفة من الوجود بحظر صدورها مرة والى الابد! وفي ايران ايضا لا يتردد القضاء ـ وهو محافظ ـ عن سجن محام ومنعه من ممارسة المهنة خمس سنوات.. فقط لانه تولى الدفاع عن سياسيين معارضين من «حركة تحرير ايران».

ولا تنتهي عجائب ايران «الاسلامية» وغرائبها عند هذه القضية أو تلك، ففي الاسبوع الماضي كشف النقاب عن ان ايرانيا ظل في المنفى نحو 20 عاما ثم قرر اخيرا العودة الى بلاده ثم اعتقل بتهمة نشر الفساد والرذيلة... كان هو في الخارج معلما للرقص.. الرقص الفني، وليس المبتذل. ولما عاد لم يكن يعرف غير هذا فاعطى دروسا في الرقص الفني ظنا منه، حسبما اعلن امام المحكمة التي حاكمته عن تهمة نشر الفساد والرذيلة، ان هذا النوع من الرقص غير ممنوع في ايران.. المحكمة اخذت بعذره هذا وحكمت عليه بالسجن مع وقف التنفيذ (مع التحذير بان حكم السجن سينفذ اذا ما عاد الى تعليم الرقص).. لكنها حكمت عليه ايضا بعقوبة اخرى هي: البقاء في ايران وعدم الخروج منها لمدة عشر سنوات! في ايران يحكم على الايراني ان يبقى في بلاده عقوبة له. لم الاستغراب؟ اليست ايران ـ كما العراق ـ بلدا للعجائب والغرائب؟!