مؤتمر لندن هل هو حرب دعائية؟

TT

هل هو جزء من الدعاية، او التمرين على الحكم مستقبلا؟ هذا ما يحيرنا في مؤتمر المعارضة العراقية في العاصمة البريطانية، بحجم مشاركاته الكبيرة، وصخب المهتمين به عربيا، وقدم للجميع على انه دلالة جدية لتغيير النظام المقبل، بل حتى النظام العراقي نفسه اعطاه من الأهمية ما لا يدع لأحد ان يعتبره فرقعة اعلامية.

وبعيدا عن الفرقعة الكلامية فان احدا لم يضبط تحركات عسكرية اميركية ضد العراق توازي الدعاية الصاخبة في مؤتمر لندن، حتى يمكن ان نشبهه بمؤتمر الكويتيين في جدة عام 1990 الذي التأم وفي المنطقة مئات الآلاف من الجنود الاميركيين والدوليين الآخرين. وهذا يدفعنا الى ان نصنف ما يحدث الآن في خانة الضغط السياسي الذي يريد تحقيق معظم اهدافه بلا مواجهة، ويصعب علينا تخيل رضوخ القيادة العراقية المعروفة بعنادها الذي يتبدل فقط في ساعة الهزيمة.

وفي اطار الحرب الكلامية لا ننسى اسئلة العراق التسعة عشر، التي سبقت المؤتمر وقدمها وزير الخارجية ناجي الحديثي الى الامين العام للأمم المتحدة. كانت تصلح مقالة صحفية في جريدة «بابل» مثلا، لكنها لم تعكس قط جدية في الحوار مع كوفي عنان ربما لمعرفة بغداد انه حوار طرشان، فلا عنان يملك صلاحيات ولا العراق ينوي تقديم تنازلات مهمة، ولهذا فضل الحديثي ان يدخل في حرب الدعاية وتسجيل المواقف السياسية. تلك الاسئلة او «المقالة» مؤشر مهم على كيفية استقبال النظام العراقي الحرب الموعودة الدائرة تهديداتها منذ عام ونصف عام والمتوعدة بتغيير النظام. وجدتها، ككل من قرأها، اسئلة دعائية باستثناء ثلاثة فقط كانت دقيقة في طرحها ويمكن ان يؤدي الاتفاق عليها الى برنامج عمل وربما حل للأزمة. اولها سؤال في ما اذا كان السماح بالتفتيش يضمن ايقاف التخطيط العسكري ضده، وسؤال آخر حول الجدول الزمني، وسؤال ثالث عن مرجعية الحل عند الخلاف. اما بقية الاسئلة فقد كانت دعائية، مثل سؤال ورد عن ضمان عدم وجود جواسيس ضمن المفتشين. فمن المعروف ان الفريق الدولي يعتمد على جمع المعلومات والكشف على المواقع، وهذا تجسس مكشوف. ثم ان الفريق الدولي آخر من يستطيع التجسس خارج المهمة المعلنة لأنه محاصر في فندق واحد، ويسير في قافلة سيارات محروسة ومراقبة دائمة، وهواتفه المحلية مراقبة ايضا، ولا يجرؤ المواطنون على مقابلته، ولا احد من المراقبين يذهب لدورة المياه من دون ان ترصده المخابرات العراقية. اذاً هم اقل قدرة على التجسس من أي شخص يسير طليقا في شوارع بغداد.

وبالتالي لا اعتقد ان العراق جاد في مفاوضاته مثلما ان الولايات المتحدة غير جادة في شن حرب كبيرة، الا في اطار التصور القائل بعملية جراحية محددة ضد القيادة فقط. تبقى القنبلة الصوتية الكبيرة في المؤتمر والتي حيرت الكثيرين هي مشاركة الامير الحسن الذي اصر الأردن على انه تمثيل شخصي لا يمثل البلد. وفي تصوري انها مشاركة تمثل الانزعاج الاردني من مواقف العراق الاخيرة، حيث اتجه للتعامل الاقتصادي مع سورية والخليج وقلل من علاقاته مع جارته الوحيدة التي فتحت ابوابها له في حرب الخليج وازماتها اللاحقة. وطالما ان العراق يريد الانصراف عن الاردن فيبدو ان الاردن يجرب ان ينصرف عنه او يرسل رسالة.