النقد أعلم والسكوت أسلم

TT

توقفت منذ اشهرعن كتابة مقالتي الأسبوعية في صفحة الرأي، بل والخوض في الشؤون العربية كليا في أي مكان. كلها مضيعة وقت. بدأت افهم لماذا اصبحنا قدريين. لا احد منا يستطيع مناقشة شؤوننا بحرية كاملة وبالتالي لا احد منا يستطيع حقا التأثير على سيرها. امورنا غدت بأيدي غيرنا. ضجت الأوساط السياسية بالتقرير الذي اصدره الصندوق العربي للتنمية الأقتصادية والاجتماعية الذي اوضح في الواقع مدى العجز العربي عن التطور والتنمية رغم كل ما يملك من ثروات. سجل العالم العربي نموا اقل من أي منطقة في العالم باستثناء اواسط افريقيا. سيحتاج المواطن العربي 140 سنة ليضاعف دخله في حين لا يحتاج معظم سكان العالم لتحقيق ذلك اكثر من عشر سنوات. اعد التقرير فريق من اكبر الباحثين المختصين العرب. الكلمة الأخيرة تنسف مع الأسف جدوى التقرير. فهم في الأخير موظفون عرب. واذا كان هناك ما يستحق الشكر في تقريرهم فهو الاشارة الى انعدام الحريات، الأمر الذي وقعوا هم ايضا فيه.

اشاروا الى ثلاثة عناصر مسؤولة عن هذا الفشل: انعدام الحرية، تكبيل المرأة، قصر المعرفة. بيد ان هذه العناصر الثلاثة هي مجرد مظاهر في رأيي لأسباب اعمق اعطيها نفس الرقم فأقول العوامل الثلاثة، وهي بهذا الترتيب: التراث، الشمولية، المسألة الفلسطينية. نصحتني جدتي رحمها الله فقالت يا ولدي احذر من الزواج بأرملة. انها نصيحة غير انسانية، ولكنها كانت تقول مهما تفعل ستظل هذه المرأة تقارن افعالك بأفعال زوجها السابق. لنصيحتها هذه صدى بالنسبة للشعوب. فالشعوب المبتلية بتراث تبقى تقيس وتربط أي خطوة تريد ان تخطوها بذلك التراث. ما من شيء يسيء لمصير امة اكثر من أمجادها التاريخية. تظل تحلم بها وتعتقد انها ستستطيع ان تعيد التاريخ الى الوراء. وقعنا نحن واليونانيون والطليان والايرانيون والأتراك بهذا الوهم. والعجيب ان حتى كبار المفكرين تجدهم يشيرون الى المنجزات التاريخية كمبرر لنهوض الشعب في حين انها اكبر قيد يقعده عن النهوض. لقد نهض العرب عندما لم يكن لهم أي تراث، كذا حصل للأغريق والرومان والانكليز. ازدهرت اليابان وفشلت الصين لأن الثانية كان لها تراثها في حين لم يكن لليابانيين أي تراث. من اهم اسرار نجاح الولايات المتحدة افتقارها الى التراث. يكتب الأمريكي الكلمات كما يسمعها لا كما كتبها شكسبير.

لماذا تكبلت المرأة (نصف المجتمع)؟ لأن تمكينها يتعارض مع التراث. يشكو التقرير من قصر المعرفة. لماذا؟ لأن الوسيلة الأولى للمعرفة وهي اللغة والحروف مقيدة بالتراث الذي يمنع أي اصلاح لها. يقول التقرير ان الدول العربية تنفق على التعليم اكثر من معظم الدول النامية ولكنها لم تحقق أي مردود يقارن بما حققه الآخرون. لماذا؟ لأن طلبتنا يقضون جل وقتهم في دراسة الفعل والفاعل والمبني للمجهول، وكتابة الهمزة على الألف او كرسي الياء، وكل هذه الدروس التي لا تمت للعلوم بأي صلة. لماذا اعتمد الأفارقة الديمقراطية واعتمدنا الدكتاتورية؟ لأن الأفارقة لم يكن عندهم تراث وتاريخ يستبعد الديمقراطية.

يقولون ويل من امرأة ذات ماض. واقول ويل لشعب له ماض.