حقيقة.. «عدم التدخل في الشأن العراقي»

TT

الأمير الحسن بن طلال ولي العهد الأردني السابق لا يحمل صفة رسمية، ولكنه يظل ابناً للأسرة الهاشمية التي ما زال الاحياء من ابنائها يتذكرون المذبحة الفظيعة التي حدثت لأبناء عمومتهم في بغداد بعد الانقلاب العسكري، وهو عندما يجلس بجوار ابن عمه الشريف بن علي، ابن عم ملك العراق السابق فيصل الثاني، ويتحدث عن «جذروا المشتركة» في مؤتمر ضباط المعارضة العراقية في لندن، فانه يفعل ذلك انطلاقاً من جرح الماضي، ومن رغبات المستقبل التي لا يخفيها بشأن الحالة العراقية.

نفي المسؤولين الأردنيين القاطع لأي سياسة أردنية جديدة تجاه العراق وتأكيدهم بأن الحسن بن طلال «يمثل نفسه» ويتصرف بشكل شخصي، لا يقلل من الحقيقة التي تقول بأن الأردن اكثر دولة تتمنى تغييراً جذرياً للنظام في العراق، وهي حقيقة يتحدث عنها كل مسؤول أردني مؤثر في السياسة الأردنية همساً، ويقول عكسها علناً، ولا يمكن لمن يعرف الوضع الداخلي الأردني وحساسية علاقاته الاقليمية بجيرانه إلا ان يقدر ظروف الأردن ويتفهم دوافعه.

الأردن هو المتضرر الأكبر من استمرار الحالة المتأزمة في العراق، فأي تغيير جدي يستهدف النظام العراقي ستكون نتائجه الاقتصادية حاسمة على بلد يتحمل مشكلة ان اسرائيل من أمامكم، والنظام المتأزم في العراق من ورائكم، ولذلك كان المرحوم الملك حسين منحازاً لصالح اسقاط النظام العراقي وقد أرسل اكثر من اشارة علنية وخاصة إبان لجوء حسين كامل الى الأردن وظهور بوادر جدية لدى الولايات المتحدة لاسقاط النظام العراقي. والأردن الذي يتحمل تبعة الأزمة الخانقة في الأراضي المحتلة يحتاج الى متنفس سياسي واقتصادي ولكنه مضطر لأن يقول ما تقوله دول عربية أخرى في العلن بأنها ضد اسقاط النظام في العراق وضد التدخل العسكري، وانها لن تسمح باستخدام اراضيها، وتقول غير ذلك في الخفاء، وستثبت الأيام انه في اللحظة التي تشعر فيها اطراف عربية عديدة بأن هناك عملية جدية لا تستهدف اجراء عملية تجميل بل عملية جراحية في العراق فان البحار والأجواء والصحارى ستفتح على مصراعيها.

المشكلة ان نظام بغداد ما زال يراهن على حصان خاسر، وان بعض الدول العربية ترسل اشارات تدفع النظام العراقي للتشدد بدلاً من ارسال رسائل حاسمة بضرورة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وتجنب الخيار العسكري. ويبدو ان التاريخ سيعيد نفسه، فالذين كذبوا على النظام العراقي واقنعوه ابان احتلال الكويت بأن الخيار العسكري مستحيل، وتحدثوا عن «عقدة فيتنام» هم انفسهم يرددون نفس الأقاويل، والنظام في بغداد ما زال يعاند ويكابر ويصدق نفسه.