خمسون عاما على 23 يوليو

TT

ما زال الجدل محتدما حول الثورة المصرية في 23 يوليو 1952 وكأنها كانت بالامس، ولا يزال البعض يراها كلها شرا بدون ان يحسب لها ايجابيات، والبعض الآخر يراها كلها خيرا بدون سلبيات، ورغم ان النظام الذي اسسته الثورة والذي تعاقب عليه 4 رؤساء جمهوريات في مصر، وجاء بحكام مصريين ليحكموا مصر لاول مرة ربما منذ عهد الفراعنة دخل منتصف العمر اي سن النضج، فان المختلفين حول 23 يوليو يصرون على ان يعيشوا في الماضي لتصفية ثأر قديم لكنهم يشغلون معهم في معركتهم اجيالا لم تر الجيل الاول الذي صنع الثورة، كما لم تعش سنوات فورانها ومعاركها الاولى، وهي اجيال تعيش الآن في عالم اختلفت معادلاته وتطلعاته، وبالتالي فهم يحتاجون للعيش في معارك المستقبل وليس الماضي.

ودون شك فإن أي تقييم منصف لثورة 23 يوليو لا يستطيع ان يتجاهل اهميتها كحدث كبير في التاريخ المصري الحديث وتأثيرها في محيطها الاقليمي العربي والافريقي والدولي من خلال حركة عدم الانحياز. كما لا يمكن تجاهل انها رغم قيامها بشكل انقلابي من خلال مجموعة من الضباط في الجيش، الا انها اكتسبت شرعية مباشرة من الشارع الذي ايدها في مبادئها العامة المتعلقة بالسيادة ومحاربة الاستعمار وتحقيق العدالة الاجتماعية الخ، وهذا ما جعلها تكتسب صفة ثورة وتؤسس نظاما ما زال قائما حتى اليوم يكتسب شرعيته منها حتى لو تبدلت السياسات والتحالفات ولعل ذلك هو احد اسرار الاستمرارية.

ولان 23 يوليو كانت حركة علمية صاغت افكارها من خلال الحركة ولم تكن لديها افكار تفصيلية جاهزة بخلاف المبادئ العامة الوطنية في البداية، فقد بدأ نظامها مسيرته بالغاء الاحزاب والتمصير اولا ثم التأميم وفلسفة النظام الاقتصادي في ضوء الافكار الاشتراكية، وانتهت الى اعادة الاحزاب والتخلي عن فكرة التنظيم السياسي الواحد ثم العودة الى اقتصاد السوق والاعتماد على القطاع الخاص في التنمية.

وليس هناك عيب في ذلك فالشعوب في بعض الاحيان كالافراد تتعلم من الاخطاء، وتكيف نفسها مع المستجدات وظروف كل مرحلة وليس معقولا في عصر يتحول فيه العالم الى قرية كونية، وتتحرك الاموال والاستثمارات في دقائق من مكان الى اخر واصبح فيه الوعي الانساني عاليا بقضايا مثل حقوق الانسان، التمسك بآليات من عصر مضى مثل الحزب الواحد او الاقتصاد الموجه وهذا التكيف لا يلغي احترام التاريخ واعطاءه حقه من التقييم الموضوعي. والذكرى الخمسون لثورة يوليو تستحق ان تكون فرصة للتأريخ العلمي المحايد بعيدا عن الهوى والتحزبات السياسية لواحد من الفصول المهمة في التاريخ المصري الحديث، لان قراءة التاريخ بشكل صحيح ضرورة لبناء المستقبل.