فواتير مالية لأغراض سياسية

TT

واهم من يحاول ان يطهر السياسة من المال او ينفي المال عن السياسة، لكن ليس واهما من يرى ايضا ارتباطات فكرية ومبدئية. وعندما اقرأ تقريرا تركيا يزعم انها تخسر من المقاطعة المفروضة على العراق سنويا نحو ثلاثين مليار دولار، اعرف انه مشروع فاتورة مزورة، لأن العراق لا ينتج حتى في عز أيام ازدهاره ما يعادل ثلاثين مليار دولار، فكيف يدعي أحد ان خسائر بلاده من حصار العراق اكثر من كل صادرات العراق للعالم؟! وفي تقديري ان خسائر تركيا السنوية من إغلاق الحدود لا تتجاوز نصف مليار دولار سنويا قبل إعادة ضخ النفط، انما ضوعفت الحسابات مرات من اجل المساومة على أي مشروع هجوم عسكري مستقبلي، ولهذا من حقنا ان نقول ان في السياسة حوافز مالية مؤثرة على ترتيب الأزمة.

واذا كان في تركيا من يلوح بفاتورة خسائر مالية شرطاً لأي تعاون مقبل فان دولا أكبر واكثر وزنا تمارس الخلط السياسي المالي. روسيا لم تدخر جهدا في السعي عند حليفها القديم العراق تطالبه بدفع ديونه المتراكمة من حربه القديمة مع ايران وتقدر بنحو سبعة مليارات دولار. وهي فاتورة متواضعة نسبيا مقارنة بما تشيعه تركيا عن حاجتها المالية. وقد ضغطت موسكو كثيرا على الحكومة العراقية خلال السنوات التي أعقبت السماح لها ببيع البترول تريدها ان تسدد ما عليها من ديون، وكانت بغداد تضغط بالاتجاه المعاكس وتطالب الروس برفع الحظر الدولي عنها ثمنا لتسديده. وهكذا يدور مديرو البنوك بين هذه الدول يحاولون تصفية حساباتهم مع حساباتها عالمين اكثر من غيرهم طبيعة التفاصيل السياسية.

لكن وان كنا نلحظ اهمية الدولار في السياسة إلا ان اختصار الحديث عن المال كدافع وحيد للأزمات في المنطقة فيه مبالغة أيضا. فتركيا مثلا مؤكد أنها سترفض كل الثلاثين مليار دولار إن كانت الحرب على العراق تعني إقامة دولة كردية مستقلة. واختصار فهم الصراع على المال مضلل كثيرا لأن وسائل السلطة ليست جميعها مالية. ولعل اكثر الخرافات المالية التي سمعناها ما روج له من ان الاميركيين افتعلوا حربهم على تنظيم القاعدة في افغانستان طلبا للربح المالي الذي قالوا انه يصل الى مائة مليار دولار في تلك المنطقة من وراء البترول. وطبعا من يعرف الجغرافيا يرى ان افغانستان ليس لها من بحر قزوين شيء ولا تحتكر مداخله، وهي لا تنتج أي سلعة تساوي مليار دولار في السنة، واهم من ذلك لا يعقل ان تنفق واشنطن على حرب كلفتها اكثر من ثمانين مليار دولار من اجل كسب عشرين مليار دولار أخرى، وهي أرباح شركة مطاعم او مصانع للاسفنج في بلدها. الصحيح ان الاميركيين يربطون بين القوة والثروة، وبين النفوذ العالمي ومصالح شركاتهم الكبرى، وهم على اتم استعداد لخوض حرب غالية بالارواح والمال من اجل ضمان وصول البترول لكنهم في نفس الوقت يدفعون لقاء الحصول على البترول نفس الثمن الذي تدفعه أي دولة اخرى في العالم تصر على وصوله لا سرقته.