مسألتنا الفلسطينية

TT

اشرت يوم امس الى روح القدرية التي تسيطر على حياتنا العربية وكيف انها نقلت مصائرنا من ايدينا الى ايدي غيرنا. المسألة الفلسطينية مثال على ما اقول. نحن بدون شك غير مسؤولين عن ظهورها. السيد بلفور والصهاينة في الغرب هم الذين اطلقوها. ولكن هنا تنتهي تقريبا مسؤولية القدر. ما تلا ذلك من صفحات وفصول لا نستطيع ان نتنصل عن مسؤوليته بالكامل. تعاملنا مع المشكلة عبارة عن سلسلة من الأخطاء والجهل وسوء الفهم والأنتهازيات الفردية والقطرية. لا اريد ان اناقش ايا من ذلك ولا ان اوجه المسؤولية لأحد. المهم في الموضوع هو ان ظهور هذه المشكلة وتفاقمها واستمرارها اصبح عاملا رئيسيا في تحجيم قدرات التنمية والتطور في العالم العربي. وهنا ايضا جسم كاتب تقرير الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي اشرت اليه يوم امس مشكلة الحرية في عالمنا العربي. لم يجرؤعلى اثارة هذا الموضوع. هناك مهمة اساسية يجدر بهذا الصندوق توليها وانجازها بأسرع وقت ممكن بما أوتي من مصادر وموارد وكوادر متخصصة. هذه المهمة ان يحسبوا لنا كم ترليون دولار كلفتنا هذه المشكلة بما في ذلك عدد من استشهدوا ضحايا لها من مثقفين وجامعيين واختصاصيين وشبيبة يكونون الشرائح البشرية الأساسية اللازمة لعملية النهوض والتنمية. ولا ننسى هذا التضخم في الميزانيات العسكرية لسائر الدول العربية، وعلى الخصوص دول المواجهة، بسبب هذه المشكلة. بيد ان المسألة الفلسطينية واثرها السلبي على عملية التنمية والنهوض يتجاوز مجرد النفقات المالية والبشرية ويمتد الى حقول التطور السياسي والاجتماعي. فقد كانت نتائج هذه المسألة هي التي ادت بصورة مباشرة الى كل هذه الانقلابات العسكرية التي اجتاحت المنطقة وما ترتب على ذلك من قيام انظمة عسكرية دكتاتورية صادرت الحريات العامة ومقومات المجتمع المدني، وعطلت مسيرة الحكم الديمقراطي البرلماني في المنطقة.

اصبح تحرير فلسطين الشعار الذي لاذ تحته كل اعداء الديمقراطية وعشاق الاثراء السريع والمتاجرين بالوطنية والقومية. قمعوا فم كل من يطالب بالإصلاح او توفير الحرية للشعب او السماح بمشاركة المرأة أو حتى الحصول على جواز سفر او اجازة بناء بالتذرع بمتطلبات تحرير فلسطين. عليك ان تنتظر حتى نحرر الأرض السليبة. فرض علينا هذا الصراع المرير ضد هذا العدو المتمكن اصنافا من الجهاد الدموي انتجت شتى عمليات الاغتيالات والارهاب وخطف الطائرات والانتحار وكل ما يدخل في اطار العنف. هذه كلها نشاطات من طبيعتها ان تتسرب وتنتشر خارج الميدان المخطط لها. وباضافتها الى الانقلابات العسكرية التي راحت تتوالى واحدا بعد الآخر، تزعزع الأمن والاستقرار. اقتضى هذا من الدولة صرف نفقات وجهود كبيرة على اجهزة الأمن واستعمال اساليب تعذيب وارهاب جهنمية وتعطيل استقلال القضاء. النتيجة هروب الكوادر المهنية الى الغرب وزعزعة الاستقرار بكل ما نتج عن ذلك من اضرار وخيمة على عملية التنمية والتطور.