أزمة جزيرة البقدونس.. بالحوار لا بالحرب

TT

من يتطلع الى الخريطة يتعاطف حتما مع المغرب في قضية جزيرة ليلى او بيرغيل كما يسميها الاسبان (ومعناها جزيرة البقدونس). ومن يعود الى التاريخ يتفهم ايضا اصرار المغاربة على احقيتهم في هذه الارض. فالجزيرة وان كانت مجرد صخرة ضخمة بحجم ملعب كرة القدم، حسب تعبير وزير الخارجية المغربي محمد بن عيسى، وان ظلت غير مأهولة، الا انها تقع على مرمى حجر من شاطئ المغرب بحيث يصعب على اي انسان محايد ان يهضم كلام الاسبان عن «سيادتهم» عليها.

والغريب ان اسبانيا التي ترفض سيادة بريطانيا على جبل طارق وتعتبر الوجود البريطاني هناك بمثابة استعمار، تقع في مطب «ازدواجية المواقف وتضارب المبادئ» عندما تصر على ان لديها حق السيادة على جزيرة ليلى او على منطقتي سبتة ومليلية. فمثلما ان الوجود البريطاني في ارض تقع جغرافيا ومنطقيا وتاريخيا في اسبانيا يبدو غير مقبول، فان الوجود الاسباني في اراض تقع بلا جدال ضمن المغرب يبدو اصرارا على مفهوم استعماري عفى عليه الزمن.

واذا كان من حق الاسبان اثارة قضية جبل طارق مع بريطانيا والتفاوض لاستعادة السيادة عليها، فان من حق المغرب ايضا ان يفتح ملف اراضيه التي تسيطر عليها اسبانيا. تبقى المشكلة في كيفية حل هذه القضية، لان محاولة الاسبان تناسيها لن تجدي، مثلما ان خطوة المغرب في اثارتها من خلال اجراءات عسكرية تبدو مغامرة غير محمودة العواقب.

لقد تساءل كثيرون حول مغزى الخطوة المغربية المفاجئة التي اثارت ازمة حول «جزيرة البقدونس»، التي لا يعرف وجود ثروات فيها، او حدوث امر طارئ فيها يستدعي تدخلا عاجلا. ولعل الجواب يكمن في المحادثات البريطانية ـ الاسبانية حول موضوع السيادة على جبل طارق، التي اشعرت المغاربة بانهم ايضا يريدون من اسبانيا فتح ملف اراضيهم المحتلة. فالقضية الحقيقية ليست جزيرة ليلى بل الوضع القائم في سبتة ومليلية، والرسالة التي تقرأ بين السطور هي ان المغرب يريد فتح ملف هذين الجيبين مع مدريد. وبما ان الرباط لا ترى امكانية ارسال قوات الى سبتة ومليلية لان ذلك يعني اشعال حرب كبيرة، فانها ربما قدرت ان موضوع جزيرة ليلى الصخرية سيرمي حجرا في البركة الراكدة ويدفع الى السلطح الملف الحدودي مع اسبانيا.

هل كانت الازمة ضرورية؟

ربما كان مفهوما للمغرب ان يقوم بخطوة لدفع الملف الى الواجهة، لكن الازمة الحالية يجب احتواؤها. فلا احد يريد ان تتطور الامور نحو مواجهة عسكرية من اي نوع، او نحو توتر يخيم على العلاقات طويلا ويضر بمصالح المغرب مع اوروبا، او بعلاقات العرب مع اسبانيا المحسوبة ضمن دائرة الاصدقاء. لذلك من المهم احتواء الازمة الراهنة بالحوار المباشر بين العاصمتين وبتدخل اصدقاء الطرفين، مع احتفاظ المغرب بحقه في اللجوء الى التحكيم الدولي لاستعادة السيادة على اراضيه.