لماذا «إعلان شيعة العراق» ولماذا يكون للشيعة بيان؟!

TT

«اعلان شيعة العراق»، عنوان لتجمع جديد، وقع على انشائه عدد من الشخصيات العراقية الفاعلة، في الحقل السياسي والاجتماعي. واللافت للانتباه ان (اعلان شيعة العراق)، قد جاء متزامنا مع دعوات دولية للاطاحة بالنظام القائم في العراق، ومتزامنا ايضا مع تغييرات احدثتها الادارة الامريكية في تعاملها مع فصائل المعارضة العراقية، التي تتعامل معها كقطع من الشطرنج، حيث تم مؤخرا استبعاد بعض الوجوه، التي كانت تحتل مكانة متقدمة بادارة الخارجية الامريكية والكونجرس، وغيرهما من الفعاليات الاخرى. واستقدمت فصائل جديدة لتنسق معها في الشأن العراقي، والبعض من تلك الفصائل قريب من ايران. الى جانب ذلك جاء (إعلان شيعة العراق) في ظروف نشطت فيها فصائل المعارضة العراقية، في اعادة ترتيب امورها، حيث عقدت في لندن اكثر من ندوة، ابرزها ذلك الاجتماع الذي ضم عددا من العسكريين العراقيين. كما عقدت ندوات اخرى مشابهة، في اماكن اخرى من عواصم العالم.

* لكن يبقى الحدث الاكثر اثارة للانتباه هو (إعلان شيعة العراق)، الذي يبرر الناشطون فيه ان دوافعهم له تتلخص: بأن جميع العراقيين من الطوائف غير الشيعية، لدى كل منهم خطة واضحة المعالم، تم الاتفاق عليها في ما بينهم:

فالاكراد بمختلف توجهاتهم ـ مثلا ـ لديهم هدف محدد هو الديموقراطية، فتحديد المصير، فالفيدرالية. طائفة السنة، فهي تحكم العراق ذا الاغلبية الشيعية، منذ القدم. الاشوريون والتركمان، وغيرهم من الطوائف الاخرى، لديهم تصوراتهم الواضحة، واهدافهم التي يطمحون الى تحقيقها. ما عدا الشيعة وهم الاغلبية، فليس لديهم خطة واضحة المعالم للحفاظ على كيانهم كطائفة عانت كثيرا من الاضطهاد.

ولذا، فإن هؤلاء الداعين لـ (إعلان شيعة العراق)، قد تمكنوا، عبر كثير من الاتصالات والندوات التي تمت في بريطانيا والولايات المتحدة وغيرهما من دول العالم، حيث تمكنوا من اقناع اعداد كبيرة من الشخصيات الشيعية البارزة على التوقيع لتأسيس هذا الاعلان. بينما تحفظت شخصيات اخرى، فلم توقع عليه، خشية ان يشتم منه توجه طائفي، خاصة ان اعدادا كبيرة من شيعة العراق، يحتلون مواقع في الاحزاب السياسية الناشطة من اقصى اليمين الى اقصى اليسار، ولهذا لا يرى بعضهم مبررا لمثل هذا الاعلان!! لكن دعاة الاعلان، يحرصون على التأكيد بأن فكرة اعلانهم هذا ما انبثقت الا لكي تقضي على الاضطهاد الطائفي، الذي كثيرا ما عانى ويعاني منه ابناء الطائفة الشيعية.

أين حزب الدعوة؟! والسؤال الذي نطرحه هنا هو: ما الفرق بين (إعلان شيعة العراق) وبين (حزب الدعوة)؟! فالتنظيمان يقتصران في عضويتهما على الشيعة.. والشيعة فقط؟! واذا كان متزعمو (إعلان شيعة العراق) يؤكدون انه ليس تنظيما سياسيا، ولكنه يسعى الى الحفاظ على حقوق كافة العراقيين، بلا تمييز!! فبيان برنامج حزب الدعوة، يدعو هو الآخر الى الحفاظ على حقوق العراقيين كافة، وبلا تمييز. وتجربة هذا الحزب وتضحياته كبيرة جدا في مواجهة الطغيان في العراق، حيث دفع ثمنا باهظا، وضحى بعدد كبير من اعضائه، وفي مقدمتهم مؤسسه عام (1957) السيد محمد باقر الصدر، وشقيقته بنت الهدى، فلماذا (إعلان شيعة العراق) اذن وبين أيدينا على ارضية الواقع، حزب الدعوة الذي تعرض الى مواجهات عنيفة ودامية، مع النظام الذي اصدر مرسوما رقم (461) بتاريخ 31. 3. 80، والذي نص على اعدام كل المنتمين لحزب الدعوة، والمؤمنين بأفكاره والمتعاطفين معه، وبأثر رجعي!! وهذا المرسوم يعني اهدار دم كل الاسلاميين في العراق، وتحديدا الشيعة منهم.

ونطرح السؤال ثانية: لماذا (إعلان شيعة العراق) في وجود تجربة حزبية ثرية يقودها حزب شيعي، اصدر بيانا مدروسا، ما ترك صغيرة ولا كبيرة تتعلق بالشأن العراقي، وتدفع بالمجتمع نحو الحرية والديموقراطية والعدالة والرخاء، إلا وأكد عليها، ففي فصل الحكومة الانتقالية جاء في الفقرة (3):

الغاء القوانين الاستثنائية والشاذة، التي تتنافى مع حقوق الانسان في العراق.

وأكد في الفقرة (7) من نفس الفصل على:

تأمين ممارسة الحريات السياسية، وضمان حرية النشاط السياسي، والنقابي، والاجتماعي، وحرية الصحافة والنشر.

وفي الفقرة (8) منه أكد على اجراء انتخابات حرة ومباشرة، لاختيار اعضاء مجلس تشريعي يتولى اعداد دستور دائم للبلاد.

نظام الحكم! وتحت عنوان نظام الحكم، أكد بيان حزب الدعوة في الفقرة (2) على الغاء سياسات التمييز الطائفي والقومي في الحياة السياسية، وفسح المجال امام ابناء الشعب على قدم المساواة للمساهمة في ارساء دعائم النظام السياسي، وذلك بمشاركة مختلف شرائح المجتمع العراقي. وجاء في الفقرة (10) اطلاق حرية العمل السياسي، وتشكيل الاحزاب السياسية، والعمل النقابي والجمعيات المهنية.

وفي الفقرة (15) ضمان تمثيل القوميات والطوائف، والاقليات في المجلس الوطني.

وفي الفقرة (28) تتولى الدولة مسؤولية تعمير العتبات المقدسة والمساجد، ودور العبادة لكل الاديان، وحماية حريتها، ومنع المساس بها، وتوفير حرية ممارسة الشعائر الدينية والعبادية فيها. وفي الفقرة (30) رعاية المعالم الحضارية والثقافية في البلاد من مدن مقدسة، ومواقع أثرية، ومتاحف عامة، ومكتبات ومخطوطات تاريخية.

القضية الكردية في الفصل الخاص بالقضية الكردية، أكد حزب الدعوة في الفقرة الاولى على الغاء كافة القوانين والتشريعات التي تكرس سياسة التمييز العنصري، والاضطهاد القومي. وكذلك جاء في الفصل الخاص بالاقليات القومية والدينية، وفي الفقرة (15) منه التأكيد على منع ممارسة اي اضطهاد سياسي او ديني او عنصري لهذه الاقليات.

الحرية ثم ُوضع في بيان حزب الدعوة فصل عن الحريات العامة، وجاء في الفقرة الاولى منه: لكل مواطن عراقي الحرية في تبني اي فكرة او رأي او معتقد، ولا يجوز مطلقا ملاحقة الناس بسبب آرائهم ومعتقداتهم وافكارهم.

وفي الفقرة الاولى من البيان، جاء تحت عنوان (حقوق المواطنين في العراق): العراقيون متساوون في الحقوق دون استثناء او تفاضل بسبب القومية او الدين او المذهب.

كما جاء في الفقرة (9): لا يجوز لأي فرد ان يجعل من ممارسة حقه وسيلة للإضرار بالغير او الاعتداء على المصلحة العامة.

الثقافة وقد جاء في باب الثقافة والتربية والتعليم وفي الفقرة (5) منه:

الغاء مظاهر التمييز العنصري، والطائفي في مجالات الثقافة، والتربية، والتعليم.

والحقيقة التي استنتجتها من خلال قراءتي لبرنامج (حزب الدعوة الاسلامية في العراق) انه اشتمل على كل ما يدور في اذهان اصحاب (إعلان شيعة العراق)، فأكد عليه بشرح واستفاضة ولم يترك مجالا لما يعتريهم من تخوفات إلا وتطرق اليه.

اليس من الحري بالناشطين (لاعلان شيعة العراق) ـ وبعضهم لهم تجربة نضالية في صفوف حزب الدعوة ـ لو انهم تريثوا قليلا في اعلانهم، ونسقوا مع حزب الدعوة، لكي يحققوا الهدف الذي يسعون اليه مستعينين بتجربة هذا الحزب، ومستفيدين ايضا من تجربة حزب الله في لبنان ـ وهو حزب شيعي ـ يوم التف حوله كافة اللبنانيين الشيعة ممن كانوا متناثرين بين الاحزاب المختلفة هنا وهناك.. فحققوا حزبا قويا يجابه اسرائيل بكل جبروتها؟! فلماذا (إعلان شيعة العراق)، والساحة بأحوج ما تكون الى تلاحم الصفوف بدلا من تناثرها؟!