مأزق باراك.. ومساومات حلفائه

TT

اذا كان بين اللاعبين الاساسيين على مسرح ازمة الشرق الاوسط من هو في مأزق حاليا فهو ايهود باراك. ومن الواضح الآن ان رئيس الوزراء الاسرائيلي هو الذي وضع نفسه في وضع حرج عندما قرر اللجوء الى سياسة الهروب الى الامام حلا لازمته السياسية الداخلية، عن طريق اجهاض مفاوضات السلام ودفع الجيش الى مواجهة الفلسطينيين العزل، حتى يجبر المفاوض الفلسطيني على القبول بما يطرحه من انصاف حلول وتسويات منقوصة، بصرف النظر عن الحقوق التاريخية والشرعية.

ويبدو ان هروب باراك الى الامام لن يفيده كثيرا، كما ان الاتفاقات التي يتوصل اليها داخليا لن تعيش طويلا، وعلى الارجح فان خسارته ستكون فادحة مع جميع الاطراف في النهاية. فقد دخل باراك في مفاوضات استمرت عدة ايام مع ارييل شارون، زعيم تكتل الليكود، بغرض تشكيل «حكومة طوارئ وطنية»، وانتهى هذا المسعى بالفشل لسبب معروف مسبقا، وهو ان شارون وكتلته يرفضان اصلا عملية السلام التي على اساسها فاز باراك في الانتخابات. وها هو شارون يتعهد من جديد بالعمل على اسقاط حكومة باراك ذات الاغلبية الهشة في البرلمان. وحتى حزب «شاس» الديني، وهو الحزب الذي انسحب من الحكومة سابقا عندما رفض باراك صرف مساعدات مالية لمدارس الحزب، ثم وافق على دعم باراك بعدما تراجع هذا ودفع الثمن، عاد للاشتراط امس الا يقبل باراك عرض الرئيس الاميركي بيل كلينتون السفر الى واشنطن لاجراء مفاوضات على اساس ما امكن التوصل اليه في كامب ديفيد الاخيرة.

وهكذا تبدو يدا باراك مقيدتين، وهو الذي قيدهما بنفسه بسبب سياساته وفشله في الاقدام على حل عادل يحقق السلام الشامل ويلبي شروطه. ولعل مأزق باراك يتلخص في انه قرر التعامل مع عملية تاريخية ومعقدة مثل تحقيق السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين من منظور ضيق للغاية لا يرى ابعد من البقاء على كرسي رئاسة الحكومة ولو كان على الفلسطينيين ان يدفعوا ثمن ذلك من دمائهم.

ان مسألة ربط عملية السلام بالمساومات الرخيصة في السياسة المحلية الاسرائيلية عملية غير اخلاقية، وليست مقبولة، ولن تؤدي الى شيء، فالقرارات الكبيرة تحتاج الى سياسيين كبار، لا الى سياسيين لا يرون ابعد من كرسي الحكم. والمؤكد ان الفلسطينيين والعرب لن يقبلوا ان تكون حقوق تاريخية مثل مصير القدس وعودة اللاجئين عرضة لابتزاز رخيص بدعوى متطلبات السياسة المحلية في اسرائيل.