إشارات تحذير.. ولكن

TT

رغم التحذيرات المتواصلة التي يطلقها العلماء عن اتساع ثقب الاوزون فوق القطب الجنوبي، يبدو ان العالم منصرف الى شؤونه الخاصة لا يبالي، لا من قريب ولا من بعيد بما يحصل من تدمير خطير للبيئة، كما لو ان الامر يخص كوكب المريخ لا الأرض. جاء التحذير الاول قبل اسابيع عندما اعلنت حالة الانذار في منطقة واسعة في جنوب تشيلي، بعدما سُجل ارتفاع هائل في معدلات الاشعاعات ما فوق البنفسجية بسبب نضوب طبقة الاوزون فوق منطقة القطب الجنوبي.

وفعلا قامت السلطات الصحية بتحذير 120 الفا من السكان في مدينة بونتا اريناس، التي يعمل سكانها في صيد السمك وجز الصوف، وهي بالمناسبة من المناطق القليلة في العالم المكتظة بالسكان، والواقعة مباشرة تحت ثقب الاوزون، بعدم التعرض لضوء الشمس خلال النهار. فقد بلغ اتساع هذا الثقب اقصى مداه منذ شرع العلماء في قياسه قبل 15 سنة، وازداد مع الوقت بنسبة 50%، وذلك استنادا الى تقارير خبراء الامم المتحدة.

وجاء التحذير الثاني في الاسبوع الماضي، عندما اعلن جونثان شانكلين العالم البريطاني، الذي كان ضمن الفريق الذي اكتشف ثقب الاوزون فوق القطب الجنوبي، انه يخشى من الضرر ذاته، أو ما يفوقه، فوق القطب الشمالي بحلول العام 2020، مما يعني ان بريطانيا ستجد نفسها، وربما اجزاء اخرى من أوروبا والعالم الشمالي، واقعة تحت ثقب كبير.

ومع ذلك نجد من يستخف في هذه الكارثة ويحاول التقليل من اهميتها، وعلى رأسهم طبعا اصحاب الشركات الصناعية المنتجة للمواد والغازات المسببة لتمزق الاوزون. فالمصالح التجارية والاقتصادية عندهم فوق اي اعتبار.

والمعلوم ان نضوب الاوزون يسمح للاشعاعات فوق البنفسجية الاتية من الشمس بالنفاذ الى سطح الارض لتقضي على الاخضر واليابس، لاسيما النباتات التي تشكل اساس الدورة الحياتية والغذائية، مما يعني القضاء على كل اشكال الحياة على الارض، اذا سارت الامور من سيئ الى أسوأ على المدى الطويل. فبعض كواكب المجموعة الشمسية تفتقر الى الحياة لاسباب متعددة، لعل اهمها ان الاشعاعات تضربها في ساعات نهارها.

ليس هذا فحسب، بل ان هذه الاشعاعات المضرة تسبب سرطان الجلد والساد العيني (الكتاراكت) لدى الانسان والحيوان. اذ يكفي التعرض للشمس لمدة خمس دقائق فقط يوميا لفترة من الزمن في المناطق الواقعة تحت ثقب الاوزون من دون اتخاذ اجراءات الوقاية اللازمة، مثل الثياب الطويلة والنظارات الشمسية الداكنة، حتى يصاب الانسان بهذه الامراض الخطيرة، هكذا وبكل بساطة.

ولعل اهم دليل على صحة هذه الاقوال ازدياد اصابة الخراف وقطعان الماشية في السهول الجنوبية لاميركا اللاتينية بالساد العيني، كما لوحظ ازدياد اصابة سكان استراليا من البيض بسرطان الجلد نظرا لتعرضهم المستمر لاشعة الشمس، رغم انهم ليسوا قريبين جدا من القطب الجنوبي.

هذا حال العالم اليوم. ومن يشاهد الفيضانات التي ضربت بريطانيا خلال اليومين الاخيرين يدرك مدى فداحة الوضع الذي بلغناه في ما يتعلق بدمار بيئة الارض على الاصعدة كافة. فهذه الفيضانات مثال بسيط لما يحدث كل يوم في العالم كله، وهي نتيجة عبث الانسان وعدم مسؤوليته في قضايا تخصه جدا، مثلما انها تخص أولاده وأحفاده من بعده.