بالتعاضد والتكافل والتضامن

TT

طاردت اسرائيل المسؤولين النازيين الذين فروا من محاكمات «نورمبرغ» بعد الحرب الى الجهات الاربع. ولم يكن يمر عام الا ونسمع عن القبض على متهم جديد يحال الى المحاكمة في بلده او يخطف الى اسرائيل (مثل ايخمان) او يسلم اليها لكي تحاكمه بنفسها، مثل «ايفان الرهيب» الذي استطاع ان يثبت براءته (الاوكراني ديميان يونغ الذي يعيش في اميركا).

اعطت اسرائيل درساً للآخرين في مطاردة المسؤولين عن جرائم سياسية. ووصل بها الامر الى محاولة منع كورت فالدهايم من الوصول الى رئاسة النمسا (بداعي انه كان ملازماً في الجيش الالماني خلال الحرب). وتعاقب اسرائيل وتقاطع الآن كل سياسي اوروبي ذي ميول نازية، (تسمى الآن «اليمين المتطرف») كما حدث مع الزعيم النمساوي يورغ هايدر الذي انتُخب حزبه باكثرية شعبية، وتعرضت النمسا بسبب ذلك الى عزل من قبل الاتحاد الاوروبي التي هي عضو كامل فيه.

يظهر ايهود باراك، رئيس وزراء اسرائيل الذي كان رئيساً لفرقة اغتيالات تطارد المناضلين الفلسطينيين الى منازلهم، عناء شديداً في محاولة اقناع ارييل شارون بالانضمام اليه في حكومة «اتحاد وطني». ويتدلل شارون في القبول لأنه يريد ان تكون حصته وحصة الليكود في الوزارة اتخاذ «القرارات الامنية». ولا ندري على ماذا تشتمل، وهل تتضمن «صبرا وشاتيلا» اخرى ام لا.

دعت القمة العربية الى محاكمة مجرمي الحرب الاسرائيليين في الوقت الذي تلتقط فيه الصور التذكارية كل يوم لمفاوضات شارون وباراك. وهل شارون مجرم حرب بالنسبة الى العرب فقط؟ هل الفلسطينيون وحدهم يعتبرونه مسؤولاً عن مجزرة صبرا وشاتيلا؟ ام هي ايضاً مجلة «تايم» التي حاول شارون مقاضاتها في اميركا. وخسر الدعوى؟ ام هي المؤسسات الاميركية الكثيرة التي تحتج على زياراته للولايات المتحدة؟ ام هي البرامج التلفزيونية الوثائقية التي لا تزال تعرض في الـ «بي. بي. سي» والدنمارك وتلفزيونات العالم؟

اصرار باراك على البقاء من خلال شارون ليس تحدياً للعرب او للفلسطينيين. فقد تخطى الفريقان مرحلة التحدي الآن ولم يعد هناك وصف او صفة لما هم فيه، لكن محادثات باراك مع شارون هي في الدرجة الاولى تحد للاميركيين الذين بذلوا كل ما يستطيعون لاسقاط الليكود، وهي تحد لاوروبا التي تخجل باستقبال شارون، وهي أيضا ازدراء لكل ما كتب في الصحف الاسرائيلية نفسها عن شخصية شارون وطباعه ومفاهيمه.

ان الاعتماد على شارون في حكومة «اتحاد وطني» هو احتقار للعالم والاسرة الدولية التي دفعها ضميرها، في اسوأ تقدير، الى احصاء عدد الضحايا في الضفة الغربية. والاتكال على شارون في عملية «الانقاذ» الآن لن يكون افضل بكثير من الاتكال عليه العام 1982 في غزو بيروت مزيناً بآلات التصوير التي تهدم المباني لحظة سقوطها، وتعرض للعالم بطولات وزير الدفاع الاسرائيلي وهو ينزل المذلة «المصورة» بدولة مستقلة نصب خيمته على مقربة من قصرها الرئاسي.

اسوأ من توزيع الموت اليومي على الفلسطينيين مثل بائعي الحليب، وكأن الموت «اشتراك»، هو لجوء باراك الى شارون. انه الحلف الذي يذكر الفلسطينيين بأن كل السلام لم يكن سوى عقد مع ابطال المذابح غير الخاضعة للقانون الدولي.