الصراحة والوقاحة!

TT

** رسالة من الصديق محمد عبد الجليل الديب يقول فيها: بداية اشكرك لاهتمامك الواضح بتناول رسائل القراء بالتحليل والنقاش ومحاولة تقريب وجهات النظر المختلفة.. وقد تأكدت بالدليل القاطع والبرهان الساطع انك لا تهمل رسائل احد، وان المسألة مسألة وقت ليس الا وهذا ما شجعني للكتابة مستفسراً عن مفهوم «الصراحة» لديك.

سيدي.. هناك مزج ثقيل بين الصراحة والوقاحة.. انه ما تراه بعينك صراحة قد يكون في نظر الآخرين وقاحة..! فهل تكون الصراحة مع النفس فقط؟! وما الفائدة منها اذا كانت كذلك؟! ان رضى الناس عنك غاية لا تدرك، ومسألة التعبير عن الرأي شيء مهم للنفس البشرية لانها تدخل في باب الحريات.. وحق الاختيار، والتمييز.. ولكن الشيء الذي يقلقني هو عدم الفهم الصحيح لمعنى الصراحة لدى الكثير من الناس.. ان من ليس صريحاً مع نفسه لن يكون صريحاً مع الناس وان اساس الصراحة هو الصدق، ومتى توفر الصدق توفرت الصراحة.. فهما توأمان لا ينفصلان.

استاذي العزيز.. ارجو ان تدلي بدلوك.. لمساعدتي على توصيل هذا المفهوم الى السادة القراء لاننا نعيش اليوم حياة مزيفة بكل معنى الكلمة، فحتى نصل الى اهدافنا لا بد من التلميح لمن نحن في حاجة اليه وهذا في رأيي هو سيد البلاوى في عصر الغناوى.. وتفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام..

*** ربما اعجبك الجناس الناقص بين كلمتي الصراحة والوقاحة لتقارن بينهما.. وإن كانتا في الواقع تختلطان احداهما بالاخرى.. فانت تستطيع ان تصارح صديقك بما تشاء دون ان تجرح مشاعره، اما اذا حرصت على جرح هذه المشاعر فقد انتقلت من الصراحة الى الوقاحة.. وقد تنتقد سيدة سيدة اخرى في اسلوب اختيار فساتينها.. فاذا انتقدتها «بينها وبينها» فهذه صراحة. اما اذا اختارت حفلاً مثلاً اجتمعت فيه الصديقات وغير الصديقات ثم اعلنت امام الجميع ان فلانة هذه لا تحسن اختيار ثيابها فهذه وقاحة.. ان هذا يشبه السب العلني فلا بد فيه من توافر شهود.. اما اذا مثلت امام القاضي وقلت ان فلانا سبك دون شهود وانكر هو هذا فلن تقوم للقضية قائمة.

والصراحة الحقيقية تتطلب شجاعة حقيقية.. فلكي تنتقد اسلوب رئيسك في العمل بصراحة، فانت تحتاج لقدر كبير من الشجاعة لان هذه الصراحة قد تعرضك لغضب رئيسك وما يجره هذا الغضب من ويلات.

لقد شاهدت منذ زمن بعيد مسرحية قرر بطلها ان يقول الحق ويكون صريحاً 24 ساعة في اليوم، فكانت النتيجة انه خسر زوجته واصدقاءه وعمله!! الصراحة الحقيقية مطلوبة، ولكن اسلوب التعبير هو الذي يفصل بين الصراحة والوقاحة وهذا يحتاج الى فصاحة.. وهكذا تجدنا قد استسلمنا لغواية اللغة.. فالجناس طعمه حلو.. صراحة ووقاحة وفصاحة.