عود على بدء

TT

لا يسع المتتبع لانباء الاحتلال الاسرائيلي المستمر ـ والمترسخ ـ لاراضي السلطة الفلسطينية، ألا أن يلاحظ تلك العودة على بدء في مجريات الاحداث: العمليات الانتحارية عادت الى الساحة، والضربات العسكرية الفلسطينية اصبحت افضل تخطيطا، وعمليات القمع الاسرائيلي أكثر شراسة... والافق السياسي شبه غائب لولا «التسريبات» التي تتحدث عن تقدم «متواضع» في مباحثات اللجنة الرباعية الرامية لاعادة تحريك عملية السلام الفلسطينية ـ الاسرائيلية.

مع ذلك، لا تزال اولويات القضية، بمفهوم واشنطن، «حماية» اسرائيل من «الهجمات الارهابية» ـ كما كشف وزير الخارجية الاميركي، كولن باول، في اشارته الى «الخطة الجديدة» التي تعكف على وضعها وكالة الاستخبارات الاميركية (سي. آي. ايه).

أسوأ ما في المقاربة الامنية الاسرائيلية ـ الاميركية لقضية الاستقلال الفلسطيني عن الاستعمار الاسرائيلي، دغدغتها لاحلام أرييل شارون العسكرية ـ الشوفينية. وأدهى ما في احلام شارون العسكرية أمله في استسلام فلسطيني كامل وغير مشروط لمطالبه التعجيزية، كما بدا من الرسالة التى وجهها هذا الاسبوع الى وزير الخارجية الاميركي، كولن باول ونظرائه في «اللجنة الرباعية»، والتي طالب فيها الفلسطينيين بالقاء سلاحهم واستبدال رئيسهم كشرطين اساسيين لأي تقدم دبلوماسي في مباحثات السلام. وفي رسالته هذه، أوضح شارون ان قوات الاحتلال الاسرائيلية ستبقى في اراضي السلطة الفلسطينية ومدنها لأمد غير محدد، ودعا الاسرة الدولية للاهتمام بالمدنيين الفلسطينيين الخاضعين للاحتلال ـ اي دعا لان يكون استعمار الاراضي الفلسطينية مسؤولية اسرائيل ورعاية المحتلين مسؤولية المجتمع الدولي بحيث يلغى اي وجود اداري أو سياسي للسلطة الفلسطينية. على هذه الخلفية الاسرائيلية يوحي التصعيد الجديد للعمليات الفلسطينية بانه رسالة موجهة الى شارون بالذات لابلاغه بان ارادة المقاومة لم تهن واستعداد الفلسطينيين للتضحية في سبيل الارض لم يتراجع، واستطرادا ان المقاومة هي النتيجة الطبيعية للاحتلال الاسرائيلي وليس العكس كما تروج المقاربة الامنية.

مشكلة شارون، كما يبدو، انه لا يعرف كيف ينهي حربه على الفلسطينيين دون تقديم «تنازلات» سياسية للدولة الفلسطينية الموعودة، فيحاول الهرب من استحقاق أقره العالم أجمع باختلاق اشكالات جانبية يعمل جاهدا لتحويلها الى قضية بحد ذاتها.

مواقف شارون «الدوغماتيكية» الجامدة حيال المستوطنات الاسرائيلية وحيال رئيس السلطة الفلسطينية وحيال القدس، لا تعد بان يتحقق السلام المقبول في عهده، فذهنيته العسكرية الضيقة الزمت حكومته ودولته في «حرب حتى النصر»... اي حرب لن تخرج منها اسرائيل الا بخروجه هو من السلطة.