الانفتاح السوري واحتمالاته

TT

في اعقاب حرب العاشر من رمضان 1393هـ، السادس من تشرين أول 1973، حيث انتصرت مصر وسورية على قوات الاحتلال الإسرائيلي، أعلن حافظ الأسد، رئيس الجمهورية العربية السورية، رحمه الله، أن الوطن السوري لجميع أبنائه، لأن الوطن يحتاج في هذه المرحلة الى دعم وطني شامل للحفاظ على أمن واستقرار سورية العربية.

واستطاع الرئيس حافظ الأسد، في أعقاب حركته التصحيحية عام 1970، أن يعيد سورية إلى موقعها السياسي، بعد أن تم عزلها عن العالمين العربي والإسلامي والعالم الغربي المتحضر أيضاً.

ومنذ أن تسلم الدكتور بشار الأسد، في العام الماضي، مهماته في الرئاسة الأولى خلفاً لوالده، راقبت الدول الغربية بحذر انتقال السلطة في سورية من عهد الرئيس حافظ الأسد حاكم سورية القوي، إلى نجله الشاب، تخوفاً من وقوع سورية في فراغ سياسي، وعدم امكانية تحمل المسؤولية في ضوء المتغيرات الدولية.

غير ان التطورات اثبتت ان التجربة التي شهدتها سورية في عامها الأول، كانت خاتمة عهد جديد، ملأت قيادته الفراغ الكبير الذي خلفه الراحل، من خلال ما ابدته القيادة الجديدة من حكمة ومرونة وبعد نظر في معالجتها للامور الداخلية والخارجية وعلى المستويين العربي والدولي. كما تأكد بأن الرئيس بشار الاسد يتابع حركة السير في طريق التطور الهادئ المثمر بكل تؤدة وبخطى ثابتة. وقد لمست بنفسي هذا التطور خلال زيارتي الأخيرة لمدينة دمشق وما اجريته من اتصالات ولقاءات خلالها.

وقد اتيحت لي زيارة الدكتور عدنان عمران، وزير الإعلام السوري، وتبادلت معه الحديث حول الكثير من القضايا الداخلية، سواء كانت سياسية أو اقتصادية ومالية والشؤون الأخرى، ومنها الفساد الذي تعاني منه بعض الدوائر السورية، لا سيما ان الدكتور بشار الأسد، سبق له وأن عالج قضايا الفساد وحارب هذه الآفة عندما بدأ ممارسة مسؤولياته في النظام السوري في عهد والده. ويتولى القضاء العادل، حاليا، الفصل في هذه الأمور.

وخلاصة القول: ان انتقال الحكم إلى الرئيس الدكتور بشار الاسد في العام الأول تم بشكل هادئ وفي ظروف هادئة ودون انفعال.

وكان الوزير عدنان عمران صريحاً وواضحاً في حديثه كعادته حيث وضع النقاط على الحروف بكل ثقة.

لقد تولى الدكتور عمران خلال السنوات الماضية مناصب سياسية هامة منها في مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي أميناً عاماً مساعداً في جامعة الدول العربية للشؤون السياسية، ثم صدر قرار رئاسي وعين معاوناً لوزير الخارجية للشؤون السياسية، ثم اسند إليه منصب وزير الإعلام، لذلك يعتبر من الشخصيات السياسية الإعلامية المسؤولة في العالم العربي تخوله الاطلاع على الوضع السياسي العربي إلى جانب القضايا الدولية، واصبح في التشكيلات الجديدة لقيادة الحزب الحاكم في سورية عضواً مسؤولاً.

وأكد وزير الإعلام بان سورية في عهد الدكتور بشار الأسد تسير بخطوات هادئة متئدة نحو الانفتاح على كل الأصعدة داخلياً وخارجياً، وهو ما اشار إليه في البرنامج الذي اعلنه أمام أعضاء مجلس الشعب في جلسة انتخابه رئيساً للجمهورية العربية السورية في العام الماضي خلفاً للرئيس الراحل حافظ الأسد.

وقال ان اختيار الهدوء والتروي في سلوك الانفتاح يهدف الى الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلي، وبذلك يسير هذا التطور في الطريق القويم في سورية.

وأكد الوزير أن سوريه تتعاون مع الدول العربية الشقيقة في كل قضايا الوطن العربي وبشرط اساسي ان تظل القضية المركزية هي احتلال اسرائيل للأراضي العربية لما تشكل من تهديد لأمن الوطن العربي، ولكن بكل أسف تأتينا المشاكل من حكومة اسرائيل التي تضع العقبات في هذا الطريق حتى لا يستقر الوطن العربي، ولكن بتضامن الدول العربية يستطيع العالم العربي مقاومة كل هذه التحديات التي يخطط لها العدو ضدنا واسترداد حقوقنا المشروعة وأراضينا المحتلة ليتحقق السلام العادل في منطقتنا. وأشار الوزير عمران الى مراحل التطور الاقتصادي والمالي المصرفي فقال: ان هذا الموضوع يسير أيضاً بالاسلوب الهادئ في ضوء حاجة الوطن السوري للمصارف العربية والاجنبية، واملنا أن يعود بالخير والفائدة على الوطن والمواطنين والاستفادة من المشاريع الانمائية التي تحتاج اليها سورية.

وعن الانفتاح الاعلامي وامكانية اصدار صحف جديدة في سورية قال الوزير عمران، أنه تجري، حاليا، معالجة موضوع الاعلام والقضايا البارزة. وتلقت وزارة الاعلام طلبات لاصدار صحف جديدة، وقد تم الترخيص حتى الان لأكثر من 15 مطبوعة خاصة منها لأحزاب الجبهة الوطنية وغيرها، والمجال مفتوح لاصدار المزيد من المطبوعات، وهناك دراسة للسماح باصدار صحيفة او اكثر من الصحف التي سبق أن الغيت في الماضي، وان جميع الطلبات قيد الدرس لدى الجهات المعنية.

اما موضوع البنوك وانشاء مصارف جديدة تتلاءم مع متطلبات الوضع الاقتصادي السوري فتدفع بنا للعودة عدة عقود الى الوراء للحديث عن الوضع المصرفي في سورية. لقد تم تأميم البنوك السورية الوطنية والعربية الخاصة مع العام الرابع للوحدة المصرية ـ السورية، وصدرت قرارات التأميم الاشتراكية بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر يوم 20 تموز/يوليو 1961، وقد خلق قرار التأميم حالة ذعر في الاوساط الاقتصادية السورية، ولا يزال قرار التأميم على حاله حتى هذا اليوم. وأصدرت الحكومة السورية عام 2001 الماضي، القانون رقم 28 وينص على السماح بتأسيس مصارف خاصة بهدف تحسين الوضع الاقتصادي السوري. وعلمت في ضوء صدور القانون 28 أن بعض المؤسسات المالية العربية تقدمت بطلبات لانشاء مؤسسات مصرفية للمساهمة في حركة التطور المصرفي في سورية، ومن بين تلك المؤسسات المؤسسة المالية العربية، وهي شركة لبنانية مساهمة مسجلة على لائحة مصرف لبنان، بهدف انشاء مشروع اقامة مؤسسة للاستثمار والتمويل الرأسمالي في سورية. ويساهم الامير الوليد بن طلال بن عبد العزيز في هذا المشروع، مع اقامة عدد من المشاريع الاخرى منها فندق، خمس نجوم، وسط العاصمة دمشق. كما يساهم في مشروع مؤسسة الاستثمار والتمويل الرأسمالي في سورية عدد من اعضاء مساهمي المؤسسة المالية العربية بصفتهم الشخصية، مع مجموعة من رجال الاعمال المغتربين السوريين ومواطني الدول العربية والمكتتبين في الطرح العام الذي سيفتتح للافراد والمؤسسات السورية والعربية والاجنبية. والخلاصة هي أن سورية ستشهد في المستقبل القريب البعيد هذه التطورات المنتظرة بفارغ الصبر، لكي تعود الحركة الاقتصادية التي عرفتها سورية في العقود السابقة، وليعود النشاط المالي للتاريخ السوري المتميز، في ظل برنامج اصلاح اقتصادي شامل يحقق تغييرات اقتصادية ومالية جذرية.