الانحناء أمام العاصفة.. عقلانية أم تراجع؟

TT

تعالوا نناقش وضعنا الفلسطيني في هذه المرحلة الشديدة الحساسية المتعلقة بمستقبل فلسطين والشعب الفلسطيني، ونترك جانبا خطاب الرئيس بوش، وآراءه وشروطه، علما باننا نعرف جيدا ان ما قاله هو الذي سيتم تنفيذه على رغم «لا» الفلسطينية، واللاءات السبع التي سمعها بوش من الدول الصناعية السبع التي شاركته مؤتمر كندا. فالذي تقوله امريكا، خصوصا اذا كانت جادة، يسري على اوروبا مثلما يسري على الشرق الاوسط، وذلك لأسباب عديدة لا مجال للخوض فيها هنا.

ولنعد الى الموضوع الفلسطيني المطروح لنسأل انفسنا: هل السلطة الفلسطينية بحاجة الى اصلاح ام لا حقا؟

الجواب القاطع: نعم بالتأكيد، السلطة بحاجة الى اصلاح جذري. هل السلطة الفلسطينية هي الرئيس ياسر عرفات؟ ام هي جهة، وعرفات جهة ثانية؟ والجواب هو بالتأكيد: لا.. السلطة الفلسطينية ليست منفصلة عن ابو عمار.. بل هي جزء منه وهو الكل بالكل.

(اذا كان هذا المنطق صحيحا.. وهو صحيح مائة في المائة، وكل الناس تعرفه، فالنتيجة المنطقية الواضحة هي ان الاصلاح مطلوب من الرئيس عرفات نفسه، بل لا بد ان يبدأ الاصلاح به شخصيا).

* كيف؟

اولا: يجب الا ننظر الى موضوع الاصلاح كإهانة شخصية، فالقضية هي الوطن، والوطن اكبر واهم من الاشخاص.

ثانيا: يجب الا ننظر الى مسألة الاصلاح على اساس انها طعن في كرامة او شفافية، او وطنية، او ثورية الرئيس عرفات، فالناس تعرف، وامريكا تعرف، واسرائيل تعرف ان النقاء الثوري الذي يختص به عرفات هو من نوع نادر لا يجود التاريخ بمثله كثيرا.

الاصلاح الذي يطلبونه من عرفات يعني ان يعلن بالصوت والصورة تحريم العمل الاستشهادي فوق ارض السلطة وارض اسرائيل. وما لم يعلن ذلك بالقوة والفعل والتطبيق سيبقى في نظر امريكا واسرائيل «قائدا لم يحمل لشعبه سوى الاحباط» كما قال الرئيس بوش لا فض فوه.

والمعنى من ذلك، ان المطلوب هو وقف مسيرة التحرير الفلسطينية الحالية وبيعها، او (تأجيرها على الاقل) لواشنطن، ووضعها بين يدي الرئيس جورج بوش وعلى يمينه الجنرال كولن باول وعلى يساره اليميني المتطرف جدا.. رامسفيلد، ومن خلفهم حكومة الليكود الاسرائيلية التي هددت جورج بوش الاب سنة 1991 بسحقه في الانتخابات الرئاسية لانه هدد مصالح اسرائيل، فسحقته، والتي يبدو ان جورج بوش الابن لا يريد ان يفعل الا ما تريده اليوم طمعا برئاسة ثانية. وهل يرضى ابو عمار، والشعب الفلسطيني المتحد خلفه كالبنيان المرصوص ان تكون حريتهم في يد غير فلسطينية، يصنعها الامريكيون بالمقدار الذي يريدونه؟ وهل يرضى ابو عمار والفلسطينيون ان يؤجروا مسيرتهم النضالية للبيت الابيض، فتصبح حريتنا عارا علينا وعلى ابنائنا لانها لم تكن من صنع ايدينا؟

اذا كان ابو عمار موافقا على ذلك، لانه واقع تحت ضغط امريكا وانقطاع نفس شعبه من القهر والجوع والعذاب، فليطرح مصيره ومصير المسيرة الفلسطينية على الاستفتاء الشعبي. ومن المؤكد ان الشعب الذي يعاني ما يعانيه، لن يختار سوى ما يلائمه ويوافق رغبته، فقد يختار ما تريده امريكا، وقد يرفض ما تريده، وفي الحالتين يكون الرئيس عرفات في حل من عذاب الضمير، او خطأ الاختيار.

واما اذا كان ابو عمار غير موافق على تجيير المسيرة المقدسة الى جورج بوش، ولا نظنه موافقا ابدا، فليس هناك افضل من ان يعلن لشعبه ولامريكا انه غير موافق، ولكنه ترك القيادة للشعب ومن يختار، ويعود الى صفوف المناضلين، وترجمة هذا الخيار الصعب هي ما يسميه الناس: الانحناء امام العاصفة ريثما تهدأ الريح وتتلاشى.

* كاتب فلسطيني