ملفات «أنثراكس»

TT

عندما قرر شخص ما خبير في الأسلحة البيولوجية ارسال نماذج من مسحوق أنثراكس (الجمرة الخبيثة) بواسطة البريد خلال الخريف الماضي، فان ما فعله قد لا يكون التجربة الأولى من نوعها.

وهكذا فبينما يواصل مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف. بي. آي) سعيه الذي يبدو غير مستميت، بشأن هذه القضية، فانه قد يبادر في أي وقت بمراجعة تفاصيل العبوة التي وصلت يوم 24 ابريل (نيسان) عام 1997 الى مقرات بيناي بيريث بواشنطن العاصمة. تلك العبوة التي احتوت على طبق صلب قيل انه يضم «الانثراكس». لم يكن بالطبق شيء من الانثراكس، بل مادة زرقاء كشفت الفحوصات المخبرية انها مادة غير سامة تشبه الانثراكس الى حد كبير وتستخدمها وزارة الدفاع الأميركية.

من يستطيع الحصول على هذه المادة كان بامكانه التفريق بينها وبين «الانثراكس». وقد تكرر هذا الخلط بين المادتين خلال الخريف الماضي عندما اعتقد البعض ان الرسائل التي احتوت على الانثراكس كانت تضم مادة «البنسلين». اختيار مبنى بيناي بيريث قد يكون دافعه الايحاء بعلاقة ارهابيين من العرب، لأن المبنى كان ذات يوم هدفا لهجوم مسلح مسلم. وبنفس الطريقة، يعتقد محللو «إف. بي. آي» ان هجمات الانثراكس الحقيقية خلال العام الماضي نفذت بواسطة علماء أميركيين يسعون لالقاء اللوم على العرب.

كنت قد كتبت مقالا نشر يوم 21 يوليو (تموز) عن «السيد زد»، وهو خبير أميركي في شؤون الدفاع البيولوجي أثار حيرة المحققين وأولئك الذين أمضوا سنوات عملهم في عالم التصدي للارهاب والمخابرات المجهول. حيث نفى أية علاقة له بهجمات الانثراكس.

في ذلك اليوم اختار الجاني تنفيذ هجوم بيناي بيريث، حيث كانت واشنطن تستضيف ورشة عمل متعلقة بالارهاب، ويبدو ان السيد زد لم يكن راضيا عن عدم دعوته أو دعوة اي من خبراء الدفاع البيولوجي للتحدث في الندوة. وفي اليوم التالي، بعث السيد زد برسالة لمنظمي الندوة أعرب فيها عن «انزعاجه الشديد» لما حدث، مضيفا: «كما تبين بوضوح في وسط العاصمة واشنطن، بعد سويعات لاحقة، يعد هذا الموضوع حيويا بالنسبة لأمن الولايات المتحدة. وأنا شخصيا مهتم جدا بأن تكون لي علاقة أفضل بالموضوع».

وخلال العامين التاليين، استخدم السيد زد هجوم بيناي بيريث للتأكيد على أهمية تخصصه ومكانته الخاصة في هذا الاطار. حيث كتب في لحظة ما «تذكروا بيناي بيريث». وقد طرح أمثلة حول كيفية حدوث هجمات أنثراكس، وقد كان مولعا بالاشارة الى أسماء عربية.

يبدو ان «إف. بي. آي» على دراية كبرى بحلقة بيناي بيريث. اليس الأمر كذلك؟ حسنا. فلقد حصلوا على معلومات بشأنها منذ أشهر عديدة سابقة. لكن هناك من يقول ان «اف. بي. آي» أراد معرفة المزيد من المعلومات حول بيناي بيريث.

ويبدو ان السلطات تتجاهل أيضا جولة أخرى من هوس الانثراكس وقعت خلال شهر فبراير (شباط) عام .1999 وكما حدث مع رسائل الخريف الماضي، فقد أرسلت مجموعة من المغلفات التي تحمل رسائل مشابهة، لمجموعة أجهزة الإعلام ولأهداف حكومية شملت مكاتب «واشنطن بوست» ومكتب شبكة «ان. بي. سي» في مدينة أطلانطا، ومكتب للبريد في منطقة كولومبس بولاية جورجيا (بالقرب من قاعدة فورت بيننغ العسكرية)، اضافة الى مبنى المكتب الحكومي القديم في واشنطن (حيث كان السيد زد قد قدم عرضا مختصرا لما لديه قبل ثلاثة أشهر من ذلك الوقت).

وقد تعرفت في ما بعد على رجل شرطة محلي في كولومبس، أبدى استعداده للبحث في وثائقه المتعلقة بهوس الانثراكس الذي حدث خلال عام .1999 ويبدو ان هناك أوجه تشابه عديدة بينه وبين ما حدث خلال الخريف الماضي. فعلى سبيل المثال، تضمنت احدى صفحات رسالة ذلك العام، بحروف أبجدية واضحة، العبارات التالية «تحذير: هذا المبنى وكل ما فيه تعرض لمادة أنثراكس. اتصلوا بهاتف رقم 911 الآن، ووفروا الحماية للمبنى، وما لم تفعلوا فان البكتيريا ستنتشر».

رسائل الخريف الماضي تضمنت نفس الاسلوب الخطابي وبنفس الأحرف الأبجدية الواضحة. وعلى عكس عبوة عام 1997 التي احتوت على ما يشبه الانثراكس، احتوت رسائل عام 1999 على ما يوازي ملعقة شاي صغيرة من مسحوق الانثراكس، وهو نفس مقدار ما استخدم من الانثراكس الحقيقي خلال عام 2001). وهذا مثير للاهتمام لأنه وحتى عام 1977، كان علماء الدفاع البيولوجي يواصلون دراساتهم اعتمادا على مسحوق مبلل من الأنثراكس، فيما كان البعض منهم قد بدأ بصناعة المساحيق خلال عام .1999 وعلى سبيل المثال، يبدو ان السيد زد كان قد تعلم المزيد بشأن المساحيق خلال العامين المذكورين. فبرنامج عمله لعام 1999 تضمن أشياء لم تكن متوفرة خلال عام 1997، حيث جاء فيه: «هناك معلومات مفيدة حول عناصر جافة ومبللة (متعلقة بالأسلحة البيولوجية)، وهناك امكانية هائلة لانتاج كائنات وسموم بكتيرية قاتلة وفيروسية».

وقد جاء في تقرير لمستشارين من الخارج استعان بهما «اف. بي. آي» لفحص الوثائق المتعلقة بقضية الانثراكس، وهما دون فوستر ومارك سميث، ان كلا منهما لم يطلع على الوثائق المتعلقة بحادثتي 1997 و.1999 فمغلفات عام 1999 حملت طوابع بريد، وربما انها تعرضت للتلاعب.

سيكون مدهشا معرفة من الذي تلاعب بها، من خلال الفحوصات. وربما يقرر مكتب التحقيقات الفيدرالي القيام بذلك الفحص متى ما انتهى من تبرئة نفسه من تهمة السبات العميق.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»