بعد 50 سنة .. ماذا تحقق من الوعود؟

TT

في مثل هذا اليوم 23 يوليو من خمسين عاما، وفي الساعة السابعة صباحا فوجئ المصريون بسماع بيان من الاذاعة المصرية صادر من الادارة العامة للقوات المسلحة جاء فيه «اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم وقد كان لهذه العوامل تأثير كبير في الجيش وتسبب المرتشون في هزيمتنا في حرب فلسطين».

وكان هذا الاعلان قد اذيع بعد ساعات من تحرك الضباط الأحرار في الجيش المصري من ثكناتهم، والاستيلاء على القيادة العامة للقوات المسلحة في كوبري القبة، واعتقال القادة من رتبة اللواء ووضعهم في الكلية الحربية.

وفتحت صفحة جديدة في تاريخ مصر تسارعت في سطورها الأحداث، وتغيرت معالم الحياة واستكملت الأيام صورة العلاقات الجديدة بين مصر والعرب بعد انتصار ثورة 23 يوليو.

وكانت البادرة الأولى التي أظهرت اتجاه مصر العربي هي افتتاح اذاعة صوت العرب يوم 4 يوليو بكلمات من اللواء محمد نجيب وعبدالخالق حسونة أمين عام الجامعة العربية واغنية من محمد عبدالوهاب، وظهر من اذاعتها موقف مصر المساند للحق العربي، مع صالح بن يوسف في تونس، والسلطان محمد الخامس ضد الجلاوي في المغرب، ومنه اعلنت ساعة الصفر لثورة الجزائر في أول نوفمبر 1954وكانت ايذانا بتفجير 24 قنبلة في أماكن مختلفة مع اذاعة بيان من جبهة التحرير.

وبدأت الاتصالات العربية تصعد الى ذورة لم تصل اليها من قبل، وظهرت الاتجاهات الوحدوية في أحاديث المسؤولين، جمال عبد الناصر يقول في العيد الثاني للثورة ـ يوليو 1954ـ «ان هدف حكومة الثورة أن يكون العرب أمة متحدة يتعاون أبناؤها في الخير المشترك».

وعندما شكلت الثورة لجنة الخمسين لصياغة دستور جديد لمصر خرجت مظاهرات في بغداد تطالب بأن ينص في هذا الدستور على ان تكون مصر دولة عربية.

ويتضمن الدستور المصري لعام 1956مقدمة تقول: «نحن الشعب المصري الذي يشعر بوجوده متفاعلا في الكيان العربي الكبير، يقدر مسؤولياته والتزاماته حيال النضال العربي المشترك لعزة الأمة العربية ومجدها». ثم تنص مادته الأولى على أن «مصر دولة عربية ذات سيادة، وهي جمهورية ديمقراطية والشعب المصري جزء من الأمة العربية». وكتب جمال عبد الناصر في كتاب «فلسفة الثورة» هذه الكلمات «ما من شك في أن الدائرة العربية هي أهم الدوائر وأوثقها ارتباطا بنا».

وقال في العيد الثاني للثورة 23 يوليو 1954«مشاكل العرب هي مشاكل المصريين، واذا كانت مشكلة الاحتلال قد استنفدت الى الآن الجزء الأكبر من جهد المصريين فإنها لم تصرفهم ابدا عن المشاركة في جهد عربي يبذل من أجل تحرير العرب».

وعندما أعلن على الشعب المصري تأميم قناة السويس أشار اليها بأنها «قناة العرب». الصلات مع المغرب العربي توطدت من مساعدة الثوار في الجزائر وتونس ومن مساعدة سلطان المغرب، والصلات مع المشرق العربي توطدت من النضال المشترك ضد حلف بغداد.

ووصل التعاون العربي ذروته بعد تأميم قناة السويس واقتراب شبح العدوان من مصر.

أضربت الشعوب العربية تضامنا مع مصر يوم 16اغسطس 1956، وهو اليوم الذي افتتح فيه مؤتمر لندن لجمعية المنتفعين من القناة، وكان ذلك تعبيرا عن ميلاد ظاهرة جديدة.

وأعلنت اذاعتا عمان ودمشق أثناء العدوان الثلاثي على مصر في اكتوبر 1956بعد ضرب محطات الارسال في أبي زعبل «هنا القاهرة».

واتصل الملك حسين أيضا يبلغ جمال عبدالناصر بأنه سيهاجم اسرائيل، ولكن عبدالناصر أوضح ضخامة المؤامرة، وطلب منه التريث.

وعندما وقع العدوان تفجرت طاقات الأمة العربية. وأعلنت الحكومة السورية عزمها على الدخول بجيشها ضد اسرائىل، ولكن مصر أبلغت سورية رغبتها في عدم اتساع نطاق القتال واصرارها على مجابهة الموقف وحدها.

ومع ذلك فقد تم تدمير أنابيب البترول التي تمتد من العراق الى سورية ولبنان، وتعطل ورود البترول من كركوك وكل من طرابلس وبانياس، وكان ذلك بتدبير عبدالحميد السراج قائد المكتب الثاني بالجيش السوري.

وأتلف الشعب العراقي بعض أنابيب البترول في كركوك أيضا، كما نسفت انابيب البترول في الأردن، واجتاحت المظاهرات ليبيا وقطر والبحرين والكويت، وقطع العرب البترول عن الدول الغربية وهو عنصر رئيسي في استمرار الحياة عندهم.

كان ذلك مظهرا ايجابيا وجديدا في تضامن العرب ضد الاستعمار والصهيونية التوسعية.

وقال جمال عبد الناصر عند افتتاح مجلس الأمة عام 1957: «ان القومية العربية هي أمضى اسلحتنا في الدفاع عن وطننا، سواء في ذلك حدودنا المصرية المحلية أو حدودنا العربية الشاملة». وقال أيضا: «كان نسف البترول عملا عسكريا».

وكانت سورية أكثر الدول العربية اقترابا من مصر لأن القومية العربية فيها كانت منسوجة من عواطف الجماهير تاريخيا.

عندما حشدت تركيا قواتها على حدود سورية عام 1957، قال دالاس: «ان من حق تركيا ان تتخذ من الاجراءات العسكرية والدفاعية ما تراه كفيلا بحفظ أمنها وسلامتها وأمن وسلامة جاراتها وحليفاتها في المنطقة عندما ترى أن سورية قد أصبحت في المنطقة كالراديوم الذي لا تقف اشعاعاته عند حدود الاناء الذي هو فيه». بادرت مصر الى ارسال قوات مسلحة الى سورية، وكان عبد الحكيم عامر قائدا عاما للقيادة المشتركة، وأصبح عبد الناصر بعد انسحاب قوات العدوان الثلاثي رمزا لنضال الشعوب.

ارتبطت مصر ارتباطا وثيقا بالدول العربية، وتضمنت توجيهات الاتحاد القومي التنظيم السياسي الذي خلف هيئة التحرير اتجاها عربيا وحدويا، قال جمال عبد الناصر في المؤتمر الأول للاتحاد القومي: «انه يشرفنا أن نكون دعاة وحدة عربية شاملة تستمد مقومات وجودها من الطبيعة ذاتها». وذلك بعد أن خلت لائحة هيئة التحرير أول تنظيم للثورة من أية اشارة للعلاقات المصرية العربية. وكان ذلك مفهوما لأنها تشكلت أثناء وجود قوات الاحتلال البريطانية في منطقة قناة السويس.

تجاوزت فكرة الوحدة العربية حدود وادي النيل التي ظلت شعارا مرفوعا يربط مصر والسودان في نضال مشترك ضد الاستعمار البريطاني، واتسعت لتشمل كثيرا من الدول العربية.

أول ميثاق عربي على طريق الوحدة كان قائما بين مصر وسورية والسعودية، ثم انضمت اليه اليمن عام 1955، للتعاون العسكري والسياسي والاقتصادي.

طريق العلاقات المصرية العربية بعد ثورة 23 يوليو طريق طويل.. طويل.