مايبل كانت دائما هناك

TT

قال الان غرينسبان حاكم البنك المركزي الاميركي، حاكم البنوك المركزية في العالم، ان الفضائح المالية التي كشفت اخيرا تضر بالرأسمالية الدولية. ومنذ مجيء جورج بوش الى اليوم لم يتعرض النظام الرأسمالي، الذي هو جسد الغرب وروحه، الى مثل هذا الضرر الذي لم يعرف حجمه إلا في الازمة الاميركية الكبرى في الثلاثينات. فقد انتعش الاقتصاد الاميركي مع بيل كلنتون الى مستويات ازدهارية لم تعرف منذ ثلاثة عقود. ولكن منذ وصول بوش وكل شيء يتدحرج نحو الهاوية: رمز التجارة العالمية في نيويورك، والشركات النفطية الكبرى، وشركات الاتصالات، وشركات المحاسبة التي يفترض انها الرقيب العالمي الاكثر دقة وموضوعية.

واذا كان النظام الشيوعي قد سقط بسبب اخفاقاته ورعونة الروس والعزلة التي ضربوها من حول النظام الاشتراكي، فان الرأسمالية التي استمرت كأقدم نظام اقتصادي، مهددة الآن في المدينة التي جعلت كل رقم او حلم خيالي مجرد رقم بسيط في بورصتها. وفي هذه البورصة، او السوق، حيث اعتاد الاميركي ان يضع معظم ثروته ومعظم تركته، تدهورت ممتلكات المواطن الاميركي واستثمارات الاجانب، من الحلم الى الكابوس. وحدث الانهيار في بورصة نيويورك على دفعات فلم يعلن خبره ككارثة لكنه في الحقيقة كارثة انعكست على اسواق العالم واغنيائه وفقرائه. ولم يلحق نسف البرج التجاري من الضرر، جزءا بسيطا من الانعكاسات التي تركتها فضائح الشركات الكبرى في نيويورك، فانهيار الحجارة، ولو كانت ابراجا، لا يعادل في شيء انهيار الثقة في المؤسسات والانظمة. وهذا الانهيار هو الذي جعل الناس تتهافت على بيع ما لديها من اسهم، كما تتهافت على سحب الودائع امام البنوك المهددة.

ويعتقد البعض ان الخاسر الاكبر في زوال هذه الثروات هو الغني الكبير لكن الحقيقة انه المدّخر الصغير الذي سوف يجدد غدا لجورج بوش والحزب الجمهوري او لن يجدد. فهذا التهالك على اللوبي الاسرائيلي قد لا ينفع كثيرا عندما يواجه الاميركي ارقام دفتر التوفير. فهو لم ينس بعد الرائقة التي عاشها مع كلنتون والحزب الديموقراطي، مع ان الضائقة التي يعيشها في ظل بوش، حصدت كل الارقام الساحرة والسنابل الحانية.

يذكر هذا الوضع القاتم بطرفة اميركية شهيرة تقول ان رجلا دخل في اغماءة لفترة طويلة، وعندما افاق رأى زوجته «مايبل» جالسة على حافة سريره، فنظر اليها وقال: «آه، ها انت دائما الى جانبي يا عزيزتي مايبل. انك معي منذ اللحظة الاولى. هل تذكرين انك كنت معي يوم سقطت في الامتحانات الجامعية قبل التخرج؟». فهزت زوجته رأسها برفق وربتت على كتفيه موافقة. فعاد يقول: «مايبل، آه يا مايبل، هل تذكرين من كان الى جانبي عندما افلست اول شركة اسستها؟». فهزت السيدة مايبل رأسها. فأمسك الرجل بيدها ووضعها على صدره وقال: «ويا مايبل، يا عزيزتي مايبل، من الذي كان الى جانبي عندما اصطدمت سيارتي بشجرة الجميز في الضباب في عز الصيف؟». فقالت مايبل باعتزاز: «ومن غيري ايها الزوج المخلص؟».

فأخذ الزوج نفسا عميقا حتى اصبح قادرا على الكلام بصوت اعلى، وقال:« والآن، يا عزيزتي مايبل، الا تعتقدين انني اصبحت استحق ان تذهبي عني؟».