يا أنبل الناس حتى في معاملتي

TT

انتقال الامير احمد بن سلمان بن عبد العزيز الى رحمة ربه فاجعة لكل من عرفه. وهي فاجعة متعددة الجوانب، متعددة الاطراف. لعل بعض قراء هذه الزاوية يتذكرون ما كتبته عن اسناني قبل سنوات. سيقول قائل، وما هذا يا رجل لتتحدث عن اسنانك في هذه المناسبة؟ هذا ما تقوله انت يا سيدي القارئ، ولكن بالنسبة لي كانت المناسبة التي عرفتني عن كثب بفقيدنا جميعا.

اعتاد رحمه الله ان يدعوني لتناول الغداء معه في مكاتب هذه الصحيفة كلما استضاف احدا من الشخصيات العربية الزائرة الى لندن. كنا نجلس حول المائدة فيطل علينا بوجهه البشوش وكلامه العذب. نتجاذب اطراف الحديث. لاحظ يوما التزامي بالسكوت على غير عادتي. فالتفت اليّ وقال، يا استاذ خالد وش اللي لازمك من الكلام اليوم. شايفك ساكت وما تشاركنا بالحديث. قلت يا طويل العمر، يا ليتني اقدر اشارك، ولكن حالة اسناني الآن لا تسمح لي بالقيام بغير شيء واحد، اما ان آكل واما ان اتكلم. وانا شايف هذا الاكل اللذيذ امامي فاخترت الاكل على الكلام.

ضحكنا مع من ضحكوا فسألني بما عرف عنه من حنان وطيبة عن سر الموضوع. فشرحت له معاناتي من اسناني لعنها الله وما سببت لي من مشاكل القت بي في رحمة اطباء الاسنان، ضحك سموه وقال «ان شاء الله خير. نسامحك اليوم على سكوتك».

عدت الى مكتبي في اليوم التالي، فاذا برئيس التحرير اخينا عثمان العمير ينتظر مجيئي. التقاني وقال الامير احمد متأسف على احوال اسنانك وما تسببه لك من مشاكل، يقول فليذهب خالد الى طبيب اسنان اختصاصي في هارلي ستريت ويصلح كل اسنانه واحدة واحدة ويأتي لنا بالفاتورة لنسددها.

خرجت من مكتب العمير وانا اشعر ليس فقط بكرم الامير وحسن التفاتته الى مثل هذه الجزئيات، وانما بشيء من روع الظرف والنكتة في الموضوع. جلست في مكتبي فانسابت من قلمي مقالة لعوبة. طرحت فيها العرض الاميري على حضرات الاسنان من الضرس الكبير الى القواطع الصغيرة. بعثت بالمقالة الى سموه رحمه الله لأستأنس برأيه بشأن نشرها. وبعد ان استمتع بها اعادها اليّ مع بعض الملاحظات التي دلت على ما كان يوليه للتفاصيل في كل امر. اعدت كتابة المقالة في ضوء توجيهاته ونقده.

الا اكون محقا فيما اقول؟ رئيس المؤسسة الذي يشغل باله حتى بأسنان كاتب صغير من كتاب صحيفته، الا يحق لموظفيها ان يحتفظوا بزاوية صغيرة له في قلوبهم، ويشعروا بالخلو وهول الفقد عندما يختفي ذلك الشاغل الرقيق من تلك الزاوية؟

ولكنها ارادة الله ولا اعتراض على ارادته في الحلو والمر. فليرحمك الله يا عزيز الجميع ويلهم الوالد والاسرة عظيم صبره وسلوانه.