قانون الحشيش

TT

سمحت بريطانيا في الاسابيع الماضية بتدخين سجائر الحشيش وأتاحت للأفراد حمل المخدر شرط الا يتجاوز حامله كمية «الاستهلاك الشخصي». والقانون لا يحدد كمية الاستهلاك الشخصي، ربما لأن من مرتكزات الحشيش او «زهرة القنب» انه يعرف في المغرب ولدى الفرنسيين بـ«الكيف». او «حشيشة الكيف».

و«الكيف» كما هو معلوم يحدده المزاج لا القانون ولا الشرطة ولا مجلس العموم.

ولا علاقة لنا بالقانون البريطاني. فهؤلاء السادة يرون في الدنيا عكس ما نرى، ولذا خرجت «التايمس» صباح الثلثاء وفي صدر صفحتها الاولى خبر يقول ان النائب المحافظ المستر «آلان دنكان»، أقرّ بشذوذه وسط ترحيب الرفاق ومشاعر التعاطف من الاحزاب كافة. غير ان ما يعنينا في الامر هو انعكاس القوانين البريطانية (او الهولندية) على احوال الناس في البلاد المتخلفة. فالحشيش، كما هو معروف، يقسم الناس، حكماً، الى قسمين: منتج ومستهلك. وقد كان لبنان في عداد الفريق الاول، ومعه بلاد الأفغان والباكستان والحقول التركية. وبعد صدور القانون البريطاني الذي يسمح للفريق الثاني بالاستهلاك، كيف يمكن للقانون نفسه ان يمنع البلاد المنتجة من زراعة هذه النبتة التي تساعد الشباب البريطاني على نسيان همومه، ومواجهة «وقائع الحياة»، كما فعل المستر دنكان وسط مشاعر الرفاق ورسائلهم؟ المعنى الأساسي للقانون انه ليس تمييزاً ولا مفرِّقاً. ثم انه اذا سمح حزب العمال لكل مستهلك بريطاني بحيازة ما يكفيه وما يكيّفه، فلا بد ان يتطلب ذلك وجود كمية كافية في مكان ما، يجري توزيعها على المحتاجين من اولاد الكيف. فاذا ضبطت غدا عبّارة في بحر الشمال محملة بعشرة اطان من القنب، يمكن لقبطانها القول انه سوف يوزعها على جمهور الحشيش وفقاً لتقديرات القانون نفسه.

واذا دهمت الشرطة مكانا فيه 500 شخص يجالسون كيفهم على كيفهم، امكن القول ان لكلٍ حصته بالعدل والقسطاس وطبقاً للقانون الذي يحمي حرية الافراد في التحشيش والشذوذ والزواج المثلي وتبني الاطفال في عائلة لا تحمل ولا تلد ولا تعرف معنى الأبوة ومشاعر الامومة.

انه القانون يا عزيزي. كما في رواية حنان الشيخ «انها لندن يا عزيزي». وهذا القانون لن تكون له حدود في الغرب ذات يوم. فليس ما يمنع غداً اصدار قانون يحمي المتحرشين بالاطفال. او يعتبر الاغتصاب ظاهرة كما في جنوب افريقيا. وفي ظن المشرع البريطاني ان هذه الأوبئة قد انتشرت لدرجة اصبح من الافضل السماح بها ومراقبتها، بدل ان تزداد سلطة العصابات والمافيات والمجرمين. وقد جربت ذلك سويسرا وهولندا واكتشفتا ان الادمان اصبح اكثر سوءاً، والدولة اصبحت اكثر ضعفا. فكلما تراخى القانون «وتفهّم» استغل المرتكب مكامن الضعف. انك لا تستطيع اخافة الغريق بالماء ولا ردع المدمن باعطائه المزيد من الجرعات.

وشيء آخر يا عزيزي، شيء آخر. فسيادتك الغربي الحريص على صحة العالم ومستقبل الكرة، تمنع تدخين السيجارة وتحذر من امراضها، فكيف تسمح بها محشوة او ملغومة (بلغة الحشاشين) بالقنب الهندي، وهذا اسم الحشيشة التقني، ربما لأن حاملاً حملها من الهند وحمل معها المرض والاسطال وقوانين الـ2002 حيث لقي المستر دنكان مشاعر التعاطف: 300 رسالة تأييد و100 مكالمة هاتفية في يوم واحد، تساند صراحة المستر دنكان! قبل سنوات كانت هذه الصراحة تسمى فجوراً.