اللعب في الوقت الضائع

TT

بعد هذه السنوات الطويلة منذ احتلال الكويت حتى الآن تغير العالم بشكل لم يسبق له مثيل، اصبح عالم القطب الواحد، وعالم ما بعد 11 سبتمبر. تغيرت عقلية الكثيرين سلباً وايجاباً، تقدماً وتخلفاً، ولكن الوضع والعقلية التي ما زالت لم تتغير هي عقلية النظام العراقي.

نفس التصرفات، ونفس التصريحات، ونفس المواقف، ونفس الاعتقاد بأن العراق هو اللاعب الوحيد في الساحة الاقليمية والدولية، ونفس عقلية التشدد الى درجة التصلب، ثم التراجع الى درجة الانبطاح من دون سابق انذار، ومن دون حاجة لتبرير المواقف.

اعلان العراق دعوة كبير المفتشين الدوليين لبغداد للبحث معه في آلية عودة المفتشين تأتي بعد اعلان الرئيس بوش يوم امس موقفه الاكثر صلابة في مسألة تغيير النظام العراقي، وتأتي بعد ان اعلن المسؤولون العراقيون مراراً وتكراراً بأن عودة المفتشين هي عودة للجواسيس، وان العراق لن يسمح تحت اية مبررات بعودة المفتشين، وبعد انهيار مباحثات كوفي عنان مع وزير الخارجية العراقي، وبعد رفض المناشدات الروسية والفرنسية وبعض المناشدات العربية الداعية لعودة المفتشين وعدم اعطاء الذرائع للولايات المتحدة.

التراجع العراقي المفاجئ ليس سوى دليل على سياسة التخبط والعشوائية وعدم تقدير الموقف بمسؤولية، حتى اذا احس النظام ان ساعة الجد قد حانت تراجع الى درجة مدهشة عن كل اطروحاته ومطالباته.

النظام العراقي دائما يضيع الفرص، ويضيع وقت المباراة الاساسي، حتى اذا انتهت المباراة بدأ يحاول اللعب بجدية في الوقت الضائع محاولاً تسجيل الهدف القاتل كما يقول الرياضيون. ولكنه في كل مرة يفشل بامتياز، ويحاول البحث عن مبررات لتغيير مواقفه بشكل حاد من دون جدوى.

الذي قرره العراق يوم امس ليس السماح للمفتشين بالعودة غير المشروطة للعراق، ولكنه دعوة لكبير المفتشين للتفاوض معه في بغداد، وهي محاولة للتذاكي والالتفاف على القرارات الدولية، ونخشى ان مصير هذه الدعوة سيكون مثل مصير الاجتماعات مع كوفي عنان، ومصير اهمال كل الدعوات والرسائل التي اهملتها بغداد.