التعطش للعدالة

TT

لم نعتد الاستماع يوميا الى أن اتخاذ القرار السليم يعني في عالم السياسة تحقيق انجاز. لكن التحالف الذي يهدف لوضع حد للمجاعة في العالم نقل الينا رسالة على هيئة نتائج استطلاع للرأي اشارت الى أن الأميركيين يبالون بشكل عميق متى ما اشتكى مواطنوهم من الجوع ومتى ما عانى آخرون في أنحاء العالم من المجاعة، وانهم قد يدلون بأصواتهم الانتخابية لصالح مرشحين يتفقون معهم في الرأي.

فقد أجرى ثلاثة من خبراء الشؤون السياسية هم الديمقراطيان بيل ناب وتوم فريدمان والجمهوري تيم ماكلوخلن استطلاعا شمل ما يزيد عن 1000 ناخب متوقع جاءت نتائجه طيبة. وقد تم الاستطلاع تحت اشراف ديفيد بيكمان، رئيس مجلس منظمة تدعى «الخبر للعالم»، وهي هيئة تنادي بضرورة ان لا يعاني أحد من الجوع. بشكل مفاجئ اعتبر 92.7 بالمائة ممن شملهم الاستبيان ان مكافحة الجوع «تعد مسألة هامة»، فيما قال 48.5 بالمائة انها «هامة للغاية»، مما يعني انهم سيدلون بأصواتهم الانتخابية استنادا على موقف المرشحين منها.

هذه النتائج تبدو مشجعة في الوقت الذي باتت العزلة، التي يعرفها البعض بالأحادية تشق طريقها الينا. فالولايات المتحدة مشغولة بتأكيد فرادتها. وها هو الرئس بوش يعارض بشدة انشاء محكمة جرائم دولية بالرغم من حقيقة ان مواطنيه الأميركيين يكنون نوايا حسنة تجاه الأمم المتحدة، حيث أشارت نتائج الاستبيان الى أن 69بالمائة سجلوا «انطباعات ايجابية» عن المنظمة الدولية.

توفر نتائج استطلاع الرأي صورة طيبة عن الأميركيين طيبي القلب العمليين. فهم يرغبون في اطعام الجوعى داخل أميركا وخارجها كما جاء في آراء حوالي 60 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع. «اذ أنه الشيء الأخلاقي والسليم الذي يمكن القيام به». فهم لا يرغبون فقط في أن يشعرون بالأسى فقط، بل يرغبون في تعريف المحتاجين على كيفية مساعدة أنفسهم بتعلم أساليب أفضل في الزراعة».

لقد تمكن بيكمان من تجميع 26 «شريكاً دولياً» للمشاركة في المشروع. وكان هدفه «تحريك قضية الجوع من قبو الكنيسة الى البيت الأبيض». وقد شعر بالاهمية المحتملة للنتائج المتعلقة بمشكلة الجوع، لكنه شعر بدهشة لقيت اعجابه لما توصل اليه الاستطلاع.

فبيكمان يعتقد ان رؤية الأميركيين تجاه الدعم الخارجي ـ الذي اعتبره بعض فطاحلة اليمين ذات يوم «ملجأ فأر» ـ قد تبدلت بشكل ملحوظ بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) الماضي». فقد باتوا يتساءلون مرة أخرى عن ما هو مهم بالفعل».

لو تمكنت المجاعة في العالم من التسلل للضمير الأميركي، فان القانون الدولي سيدفع الثمن. فالمشروع المتعلق بمحكمة الجرائم الدولية حصل فقط على موافقة 19 عضوا في مجلس الشيوخ مقابل 75 عضوا اعترضوا. وظلت ادارة بوش تماطل في طرح القضية منذ السادس من شهر مايو (ايار)، عندما أعلن سفيرنا لدى الأمم المتحدة جون نيجروبوتي انسحاب الولايات المتحدة رسميا من المعاهدة. فبيل كلينتون، ورغم اعتراض وزارة الدفاع، قرر التوقيع على المعاهدة على مضض في آخر أيام رئاسته، بينما لاحظ انها لا تحظى بشعبية.

ومن جانبه أعلن جورج بوش، وقد تم اطلاعه على معارضة التيار اليميني، عن قناعته بقرار «سحب توقيع أميركا» من المعاهدة، التي تتمتع بتأييد حماسي من حلفائنا الأوروبيين، وخاصة من بريطانيا العظمى. كما ان جيراننا في الشمال، كندا، يميلون لها بنفس القدر. وبينما التزم حليفانا الوفيان بلباقة تامة بعدم انتقادنا بشكل علني، الا انهما أعربا عن خيبة أملهما من موقفنا المتعلق بأن الجنود الأميركيين الذين يقومون فقط بالمهام الموكلة اليهم، قد يكونون تحت رحمة أناس أجانب أشرار يسعون للتعبير عن استيائهم وغيظهم من القوة العظمى الوحيدة في العالم بارسال جنودنا للسجن.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»