حلف الناتو ضد من؟

TT

تسعى الوحدة الاوربية المكونة اليوم من خمس عشرة دولة الى زيادة العضوية بها لتصل الى خمس وعشرين دولة في عام 2004، وخطوات هذا التوسع الاوربي المتلاحقة والداخلة في سباق مع الزمن ترمي الى تحقيق حلم اوربا العظمى، لتصد المساعي الامريكية المتواصلة الهادفة الى فرض هيمنتها على العالم، باصرار واشنطون على الانفراد بالقرار الدولي الذي زاد وضوحا من بعد العدوان عليها في يوم الثلاثاء 11 سبتمبر عام 2001 فجاء القرار بمحاربة الارهاب في خطاب الرئيس جورج بوش دون ان يترك مجالا للمواجهة بالحوار بين الدول وفرض المجابهة بالقتال بوضع كل الدول بدون استثناء امام خيارين اما ان يكون العالم مع امريكا، واما ان يكون ضدها في محاربة الارهاب على المستوى الدولي.

اكثر الدول تضررا من الانفراد الامريكي بالقرار الدولي على العالم، دول الوحدة الاوربية، لما في هذا المسلك من تعد على سيادتها المستقلة وتطاول على احكام القانون الساري بها الذي يلزمها عند اتخاذ القرارات بالرجوع الى المؤسسات الديمقراطية القائمة بها لمناقشة القرارات المطلوب اتخاذها، وتغييب هذا الحق عند اتخاذ قرار الحرب ضد الارهاب جعل الجمعية الوطنية البرلمان الفرنسي يعترض على قرار محاربة الارهاب بدون تحديد معالمه استنادا الى تعريفه في اتفاقية فيينا عام 1815 التي تحدد الارهاب بالاعتداء على المبادئ والقيم والمثل والتطاول على احكام القانون الدولي العام والتعدي على احكام القانون السارية في داخل المجتمع الواحد.

تنظر امريكا الى ما يحدث في الوحدة الاوربية بالعين الحمراء لانها تدرك بأن فتح باب العضوية لدول عديدة تصل الى عشر دول يقصد منه التصدي لامريكا وتوجهاتها في حكم العالم ولكن احساسها بالقوة المفرطة التي لا يصل اليها احد من الدول او التكتلات الدولية جعلها تنظر في نفس الوقت بنصف عين الى الوحدة الاوربية استهتارا بالتوسع الذي تلجأ اليه لانه لن يبدل من موازين القوى ويحفظ لامريكا انفرادها بالقرار الدولي على العالم. غير ان امريكا لم تقف مكتوفة اليد تجاه زيادة ثقل الوحدة الاوربية فوق المسرح الدولي فأخذت تنادي بحتمية توسيع العضوية في حلف شمال الاطلنطي «الناتو» مما جعلنا امام حالة سباق للتوسع بين الوحدة الاوربية من ناحية وحلف الناتو من ناحية أخرى، وفرض المناخ الدولي الراهن تركيز النظر على دول شرق اوربا لتنضم الى دول الوحدة الاوربية وفي نفس الوقت الى حلف الناتو، ويبدو ان واشنطون تريد ان توازن التوسع في الوحدة الاوربية بالتوسع في حلف الناتو فبادرت باعطاء الاعضاء الجدد في الوحدة الاوربية عضوية حلف الناتو الذي تسيطر عليه واشنطون حتى يصبح كل اعضاء الوحدة الاوربية المتمتعين بها اليوم والحاصلين عليها خلال السنتين القادمتين يتمتعون ايضا بعضوية حلف الناتو لتضمن بقاءهم جميعا تحت المظلة الاستراتيجية الامريكية فيتعذر عليهم التمرد على امريكا التي تحتفظ في ذاكرتها بمحاولة انشاء جيش اوربي مستقل قبل عدة سنوات عندما عقد اجتماع لقمة الوحدة الاوربية في نيس المدينة الفرنسية، وتم الغاء قيام هذا الجيش بالاعتراض الامريكي عليه استنادا الى ازدواجية المسلك العسكري الدولي بين حلف الناتو والجيش الاوربي في حالة قيامه. وتم في اجتماع قمة حلف الاطلنطي الذي عقد في ريجا عاصمة دولة لاتفيا مؤخرا الاتفاق على ضم كل من البانيا، واستونيا، وبلغاريا، ورومانيا، وسلوفاكيا، وسلوفانيا، وكرواتيا، وليتوانيا، ومقدونيا، ولاتفيا الى حلف شمال الاطلنطي ورحبت السيدة فايرا فيكي فرابيرجا رئيسة الدولة المضيفة لاتفيا بهذا الانجاز الكبير الذي جعل بلادها مع دول شرق اوربا التسع الأخرى اعضاء في حلف الناتو، وأكد الرئيس الامريكي جورج بوش في داخل هذا الاجتماع على اهمية انضمام دول شرق اوربا الى الحلف لما في ذلك من دعم للامن في اوربا، واوضح في كلمته بأن على المرشحين لعضويته الالتزام بالنهج الديمقراطي في مسلكهم بداخل دولهم والاستعداد لتقديم التعزيزات العسكرية لحلف الناتو في السلم والحرب.

سمع من داخل اوربا صوت الرئيس الفرنسي جاك شيراك الذي اعلن بان فرنسا تدعم تحديث حلف الناتو بصورة متزامنة مع تقوية الوحدة الاوربية مبررا ذلك بان الحضارة تحتاج الى بقائها الى وسائل وسبل للدفاع عن نفسها، ومن المنطقي ان يتسع حلف الناتو بالاتجاه الى الشرق الاوربي ليحقق مزيدا من الدفاع عن النفس، فقوة تسع وعشرين دولة مجتمعة تفوق قوة تسع عشرة دولة، وهذا التوسع في حلف الناتو لا يتناقض مع التوسع في الوحدة الاوربية الراغبة في ايجاد ثقل سياسي لنفسها في الحياة الدولية العامة اكبر من ثقلها السياسي الحالي لان طبيعة المرحلة العالمية القادمة تعطي الاولوية والافضلية للعمالقة من الدول، وهذا يحتم الاخذ بالتكتل الدولي بين الدول المتجانسة حضاريا والمرتبطة بمصالح قوية يحتمها الانتماء الى اقليم واحد.

لم يعد حلف الناتو يرعب روسيا كما كان الوضع في السابق قبل سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1991 خصوصا بعد ان حدث التقارب بين واشنطون وموسكو وجسده على ارض الواقع تشكيل مجلس «الاطلنطي ـ روسيا» الذي يعطي موسكو حق المشاركة في مسؤولية الامن الاوربي، وكذلك انضمامها الى مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى وتقديم العون المالي لها الذي يقدر بعشرين الف مليون دولار امريكي لتخفيض سلاحها النووي الى النصف خلال العشر سنوات القادمة، وبهذه الاجراءات مع روسيا تحول اعضاء حلف وارسو المنحل الى اعضاء في حلف الناتو، بعد انتهاء مرحلة المجابهة التي كانت تهدد بالقتال والدخول في مرحلة المواجهة بالحوار ليظل الخلاف في وجهات النظر لا يفسد للود قضية، وصرح بهذه الحقيقة وزير خارجية روسيا ايجور ايفانوف بقوله: لم تعد هناك مشكلة من توسيع حلف الناتو لان اسباب الصدام معه غير واردة ما دمنا شركاء فيه واصبح تعاملنا الدولي يستند الى اننا دول حلفاء ولم نعد اعداء كما كان الحال في الماضي.

ان الاوضاع الحالية الاقليمية في روسيا واوربا الشرقية، والدولية بأدوار امريكا واوربا الغربية تمهد لانعقاد قمة حلف الاطلنطي في براغ المقرر انعقادها في يومي 21 و 22 نوفمبر القادم وسينضم خلال انعقادها الى الناتو عشر دول جديدة لتلحق بالدول الثلاث بولندا وهنغاريا والتشيك التي انضمت الى حلف شمال الاطلنطي في عام 1999.

صحيح ان الزمن الحالي في عام 2002 يختلف تماما عن الزمن الذي ظهر فيه حلف الناتو في عام 1949 الذي جعل اللورد اسماي اول سكرتير عام له يقول ان غرض حلف الناتو اسقاط الالمان وابعاد السوفيت وادخال الامريكان، بينما يقول اليوم سكرتير عام الحلف روبرتسون: الباب مفتوح على مصراعيه لجميع الدول الاوربية بدون استثناء متى ما توفرت عندهم الديمقراطية وابدوا استعدادهم لتعزيز القدرات العسكرية للحلف.

يظل السؤال الحائر الذي يفرض نفسه بالحاح ويبحث عن اجابة، ضد من يقوم هذا الحلف العسكري الناتو بقدراته القتالية الهائلة؟ الاجابة الامريكية تؤكد على اهمية بقائه لابعاد روسيا عند حدود الاختلاف وعدم الاقتراب من نقاط المجابهة والسيطرة على الازمات في اوربا، ودعم الحياة الديمقراطية، ومحاربة الارهاب ومعاقبة الارهابيين... ولكننا نختلف تماما مع هذه الاجابة الامريكية لان روسيا مدجنة واوربا قادرة على حماية نفسها والديمقراطية منتهكة والارهاب الاسرائيلي يرتع داخل فلسطين المحتلة بدون عقاب رادع له.