هل تعدل الولايات المتحدة عن خوض حرب عراقية؟

TT

لا الرئيس الأميركي بوش، ولا إدارته ـ ولا الإسرائيليون من وراء الستار ـ نزعوا من رؤوسهم فكرة الإطاحة بصدام حسين ونظامه، بالرغم من كل الصعوبات والعقبات المنتصبة أمام عملية عسكرية ضده مماثلة لعملية أفغانستان أو لحرب الخليج عام 1990. فالقناعة لديهم بأن النظام العراقي يشكل خطراً على جيرانه (وعلى إسرائيل بالذات) في حال مواصلته تنمية تسلحه، تبدو عميقة، والتصميم على توجيه ضربة عسكرية ما تطيح به، يبدو أكيداً، والشروع في الاستعداد لهذه الضربة، واضح. ولكن هذا التردد المستمر منذ أشهر، وهذه العقبات والاعتراضات والتحفظات والنصائح، الغربية والعربية، التي تدعو الإدارة الأميركية الى تجنب الدخول في حرب مكشوفة مع العراق، تحمل على الاعتقاد بأن «حرب العراق» لن تقع، هذا الصيف على الأقل، أو ربما أبداً، وأن الولايات المتحدة بدأت تبحث عن وسيلة أخرى غير الحرب للإطاحة بصدام حسين، أو لمنعه من بلوغ درجة التسلح التي يهدد عندها جيرانه والولايات المتحدة. ولا شك في أن الدوائر الأميركية السياسية والعسكرية، تبحث جدياً عن هذا الحل، بعد انتصاب كل هذه العقبات في وجه هجوم مسلح على العراق شبيه بالهجوم على الطالبان في أفغانستان.

المطلعون على طيات السياسة في واشنطن، يقولون إن الهدنة بين الرئيس الأميركي والديموقراطيين التي قامت بعد 11 سبتمبر، قد انتهت، وأن الاستحقاق الانتخابي في الخريف المقبل، من شأنه أن ينمي في وسط الحزب الديموقراطي تياراً معارضاً للرئيس بوش، يحول دون اعطائه كل ما يطلبه في حربه على الإرهاب، وبالتالي، لشن حرب على العراق. ثم ان الأزمة الاقتصادية الراهنة حالياً في الولايات المتحدة، بعد فضائح افلاس الشركات الكبرى، تشكل شاغلاً سياسياً أميركياً جدياً يتطلب الاهتمام به أولوياً. يضاف الى ذلك غموض أو غياب الاستراتيجية الأميركية في العالم وانحصارها، بعد 11 سبتمبر، بـ «مطاردة الإرهابيين».

والسؤال الجدي الذي أخذت بعض الأوساط السياسية الأميركية تطرحه، منذ مدة، هو: هل صحيح أن عراق صدام حسين يشكل خطراً فعلياً أو داهماً أو محتماً على جيرانه وعلى السلام في الشرق الأوسط وعلى سلامة الولايات المتحدة؟ ان النظام العراقي يرفض المراقبين الدوليين، والرئيس صدام حسين ما زال يتخذ موقفاً سلبياً من عملية السلام في الشرق الأوسط، والسماح له بامتلاك أسلحة نووية، قد يؤدي إلى نشوب حرب عربية ـ إسرائيلية جديدة. وغيابه عن الساحة السياسية العربية، من شأنه «إراحة» أكثر من بلد عربي أو إسلامي، من جيرانه. ولكن هل المجازفة بشن حرب شاملة عليه، بقصد كسر شوكته أو التخلص منه ومن نظامه، هي الخطوة الوحيدة للتمهيد للسلام في المنطقة؟ أم هي الخطوة الأفضل لحماية الأنظمة العربية والإسلامية المجاورة للعراق؟ أو للقضاء على الإرهاب، في العالم؟

لقد أبلغ كل اصدقاء الولايات المتحدة من الدول العربية والإسلامية، الرئيس الأميركي، تخوفهم من عواقب هجوم عسكري أميركي على العراق، ومعارضتهم لهذه الخطوة الأميركية الجديدة في الحرب على الإرهاب، بل قلقهم الشديد على مصير العراق والسلام في المنطقة إذا قامت القوات الأميركية بالهجوم على الاراضي العراقية. ولم يقتصر هذا التحذير على الدول العربية والإسلامية، بل شاركت فيه كل الدول الكبيرة والدول الأوروبية. ومن المرجح أن تكون القيادة الأميركية نفسها أبرزت للرئيس صعوبة تكرار عملية تحرير الكويت عام 1991، واحتمال نشوب قتال عنيف وعشرات الألوف من الضحايا في حال دخول القوات العسكرية البرية الأميركية الاراضي العراقية. (ومن هو البلد العربي المتاخم للعراق الذي يقبل بأن يكون ممراً لهذه القوات؟). ومن هنا، فإن ما يدرسه البيت الأبيض، اليوم، هو خطط اخرى للإطاحة بصدام حسين أو لمنعه من مواصلة تسلحه (وتشجيعه للإرهاب، إذا ثبت ذلك)، غير خطة الهجوم البري على الاراضي العراقية وتكرار السيناريو الأفغاني. ذلك انه إذا كان من الصعب على الرئيس الأميركي التراجع عن قرار اسقاط الرئيس العراقي بالقوة، بعد أن أعلن ذلك وكرر إعلانه ووعد الشعب الاميركي به وإقناعه بأن صدام حسين يشكل خطراً على الولايات المتحدة والسلام، كبن لادن وطالبان، بدون أن يعرض دور «البطل القومي التاريخي» الذي حازه بعد 11 سبتمبر، للزوال، فإنه من الأصعب عليه، اليوم، الحصول على تفويض «على بياض» من الكونغرس الأميركي لتجنيد مئات الألوف من الأميركيين وزج الولايات المتحدة، لوحدها، في حرب مفتوحة مع العراق.

ما هي الخطط الاميركية البديلة للإطاحة بالنظام العراقي؟ ضربات جوية مكثفة بالصواريخ الموجهة والطائرات، تدمير المنشآت العسكرية ومراكز القيادة؟ محاصرة بغداد «جوياً» وعزل القيادة العراقية لتشجيع بعض القوات العراقية المسلحة على الانتفاض والإطاحة بالنظام؟ تشديد الحصار الاقتصادي والعقوبات على العراق لإرغام صدام حسين على القبول بالمفتشين الدوليين؟

غني عن القول، إن الرئيس الأميركي ارتكب خطأ كبيرا عندما مضى بعيدا، وسريعا، في إعلان حربه الكلامية على النظام العراقي، قبل أن تكون كل ملفات هذه الحرب كاملة الإعداد. والخوف كبير، ولم يتبدد بعد، من أن يقدم فعلياً على هذه الحرب، رغم كل التحذيرات والاعتراضات والتداعيات الخطيرة المترتبة عليها، في العالمين العربي والإسلامي.

ومن حق الأميركيين وواجب الإدارة الأميركية، أن تطرح عدة أسئلة أساسية، وأن تجيب عليها، قبل أن تعتمد الخطة النهائية لمعالجة الحالة العراقية في إطار حربها على الإرهاب.

سؤال أول: هل يشكل صدام حسين، فعلاً، خطراً على جيرانه والسلام في المنطقة؟

سؤال ثان: هل معالجة مشكلة صدام حسين عربياً وإسلامياً ودولياً مهمة مستحيلة؟

سؤال ثالث: هل سقوط صدام حسين يساعد على تحقيق السلام ويقضي على الإرهاب؟

سؤال رابع: هل يخدم الهجوم على العراق وتمزيقه الدول العربية والإسلامية الصديقة للولايات المتحدة؟

سؤال خامس: ألا يؤدي أو يساعد قيام الدولة الفلسطينية وانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة إلى اضعاف الإرهاب أكثر من الإطاحة بالنظام العراقي؟

سؤال سادس: أولا يساعد التغاضي عن الجرائم الإسرائيلية المتمادية في الضفة وغزة، في تنمية شعور النقمة على الولايات المتحدة لدى الشعوب العربية والإسلامية؟ ويضعف من حجة وقدرات الأنظمة العربية والإسلامية على مقاومة الإرهاب؟

ويبقى أمام الرئيس الأميركي مخرج سياسي عملي وإيجابي، يتلخص في خطوتين:

1 ـ الدعوة إلى مؤتمر دولي لحل النزاع العربي ـ الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية ومساعدتها دوليا على النهوض وتوقيع معاهدة دولية لمقاومة الإرهاب.

2 ـ دعوة مجلس الأمن أو الأمم المتحدة أو الدول الكبرى لإرغام النظام العراقي على القبول بالمفتشين الدوليين.

ان العالم بأسره يدعو الولايات المتحدة الى عدم التورط في حرب على العراق، وليس سوى إسرائيل وبعض مؤيديها في واشنطن، من مشجعين لها على هذه المغامرة. وقد آن الوقت لتختار واشنطن، لا بين العرب وإسرائيل، بل بين اطماع إسرائيل والعالم بأسره، كي لا نقول بين شارون والسلام في العالم.