بوش يدفع الشرق الأوسط نحو الانفجار

TT

رفض الرئيس بوش مطالب العرب بالتركيز على حل الصراع العربي الإسرائيلي، وطالب الدول العربية بتكثيف الجهد، بعد عملية صفد لضرب حفنة قليلة من الإرهابيين حسب تعبيره تعمل لضرب فرص السلام. وعبر كالعادة عن الأسى لمقتل الإسرائيليين دون أن يشير لمجزرة غزة أو استباحة نابلس وقراها وقتل جيش الاحتلال الإسرائيلي آلاف المدنيين وتدمير البيوت واعتقال الآلاف من المدنيين الذين تسميهم قوات الاحتلال اما مطلوبين أو مشبوهين.

ورغم تعبير بوش أكثر من مرة عن قلقه من اوضاع الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحرب تجويع وحصار خانق، إلا انه لم يحرك ساكناً لرفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني ونسي أو تناسى مطالبته رئيس وزراء إسرائيل بسحب قواته من مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية. ولقد اعطى هذا الموقف الاميركي ضوءا اخضر لحكومة شارون للتمادي في اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني، كما يحصل اليوم في مدن الضفة الغربية وفي قطاع غزة.

ومن المعروف أن السنة الأولى في البيت الأبيض لأي رئيس أميركي منتخب لأول مرة، هي سنة تعلم وتدريب على شؤون السياسة، خاصة السياسة الدولية. ومن المعروف أيضا ان رئيس الولايات المتحدة الجديد يمطر بالدراسات الاستراتيجية والتكتيكية خلال سنة أولى تدريب. ومن المعروف ايضا، ان اسرائيل والحركة الصهيونية والتجمعات اليهودية الاميركية لها نفوذ كبير على بعض مراكز البحث والدراسات الاستراتيجية من خلال تمويل هذه المراكز، وان هدف هؤلاء من تمويل هذه المراكز ونشاطاتها البحثية المختلفة يتركز في مسألة واحدة: دعم إسرائيل. فمن بين هذه الدراسات الاستراتيجية المختلفة حول مناطق مختلفة من العالم، وحول المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة، تقوم هذه المراكز بإدارة الأبحاث حول الشرق الأوسط لتصل إلى خلاصة واحدة: التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل هي مصلحة اميركا العليا.

وبالطبع، تربط هذه الدراسات تلك العلاقة التحالفية الاستراتيجية بتوجهات استراتيجية لضرب كافة الدول والقوى التي ترى اسرائيل فيها خطراً عليها أو احتمال خطر عليها. وتحول بذلك استراتيجية الولايات المتحدة لتلك التي تخدم اسرائيل فقط. وتضر في كثير من الأحيان بالمصالح الحيوية للولايات المتحدة وعلاقاتها مع دول وشعوب تسعى لإقامة أفضل العلاقات مع الولايات المتحدة. تماماً كما يحصل في الشرق الأوسط. ويمكننا القول دون أن نبتعد كثيراً عن الدقة، ان مجريات الأمور في الشرق الأوسط لا تقتصر عادة على تجيير القوى ونفوذ الولايات المتحدة لصالح اسرائيل وان اضر ذلك بالمصالح العليا للولايات المتحدة، بل استنادا لذلك تذهب اسرائيل إلى أبعد مدى في العدوان والغطرسة وكأن الولايات المتحدة قد أوكلت لها دورها هي في الشرق الأوسط. ولقد أحرج هذا الادارات الاميركية في كثير من الأحيان، لكن رد الفعل العربي كان دائماً اضعف من أن يقنع الادارة الأميركية بتعديل مواقفها حتى من اجل حماية مصالحها مع الدول العربية، ويبدو جلياً مع ادارة بوش ان جورج دبليو بوش يحتاج الى اكثر من عام لتعلم ومعرفة الحقائق في الشرق الأوسط (وربما أنه لن يتعلم ذلك أبدا).

منذ أن وصل بوش للبيت الابيض امطرته المراكز بالدراسات، لكن أهم تلك الدراسات هي تلك التي قدمها مركز الدراسات الدولية والإعلامية في واشنطن. فقد خلص الباحثون الى نتيجة (نصيحة إلى بوش) مفادها ان دعم إسرائيل لن يثير أي ردود فعل ذات قيمة في الشارع العربي أو لدى الدول العربية. وزينت الدراسة للرئيس ضرب العراق للسيطرة على نفطه الذي حسب قولهم سيكون الداعم الاكبر لاقتصاد الولايات المتحدة ونفوذها في ظل توقعات اضطراب الوضع الاقتصادي الاميركي على مدى سنوات حكم بوش. استناداً لهذا وللدعم غير المحدود الذي يقدمه الكونغرس لاسرائيل ونفوذ اسرائيل في اوساط وزارة الدفاع الاميركية ومجلس الأمن القومي، قام الرئيس بوش باستقبال شارون ثلاث مرات ونسق معه تنسيقاً كاملاً وأعطاه الضوء الأخضر لارتكاب أبشع أنواع جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني، خاصة بعد احداث الحادي عشر من ايلول. ولقد استغل شارون واصدقاء اسرائيل في الكونغرس حاجة بوش لموافقة الكونغرس على مشاريعه المتصلة بالاوضاع الداخلية الاميركية اقتصادية وضريبية وصحية وبناء نظام صاروخي فضائي، لتحويل دعم شارون غير المشروط شرطاً لموافقة الكونغرس على مشاريع بوش، فمستشارو بوش بدأوا بالتخطيط منذ اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض لعودته للبيت الابيض لمدة حكم ثانية بعد انهاء فترته الرئاسية هذه. هذا حسب رأي مستشاريه، يتطلب تمرير قوانين تحدث تأثيراً في الرأي العام الأميركي ليتحمس الجمهور لانتخابه مرة أخرى. واكد مستشارو بوش له أن دعم اسرائيل وشارون يضمن له الكونغرس وان هذا الدعم لن يؤثر على علاقات الولايات المتحدة او مصالحها الاستراتيجية في الشرق الأوسط (خاصة مع الدول المنتجة للنفط)، وعلى هذا الأساس تصرف حتى الآن الرئيس بوش. ولسوء الحظ، فإن جرائم الحرب التي ارتكبتها الحكومة الاسرائيلية برئاسة شارون ضد الشعب الفلسطيني وما زالت ترتكبها لم تولد رد فعل عربي رسمي يردع الادارة الاميركية عن الدعم المطلق لهذه الحكومة وجرائمها أو حتى ان يخفف من هذا الدعم على الأقل. كذلك فإن ردود الفعل في الشارع العربي التي ظهرت بقوة في لحظات معينة من لحظات معاناة الشعب الفلسطيني وتعرضه للعدوان الشرس، سرعان ما هدأت واختفت تحت حراب وتهديد قوى مواجهة الشغب العربية. بالرغم من هذا كان لصمود الشعب الفلسطيني أكبر الأثر في افشال مخطط شارون الذي اراد تحطيم السلطة الفلسطينية وابعاد ياسر عرفات وعزل السلطة ورئيسها بتهمة الإرهاب ووضعهم في موضع طالبان افغانستان. فشارون يعلم ان مفتاح الدعم هو ان يبقي صورة الفلسطينيين صورة إرهابيين وان يربط بين ما جرى وما يجري في فلسطين وما جرى في افغانستان وذلك كي تبقى اسرائيل شريكة امريكا في حربها التي تسميها الحرب ضد الإرهاب. ولذلك ساعدته هذه العمليات داخل اسرائيل نتيجة اتفاقات فلسطينية ـ فلسطينية. يسعى شارون لاتخاذ قرارات بتوجيه ضربات جوية واغتيال القيادات وتدمير المنازل كي يستفز ردود فعل تبقي النار مشتعلة وتمكنه من الاستمرار في لعبته القذرة مع الإدارة الاميركية. تماماً كما حصل فجر الثلاثاء عندما قصفت طائرة اف ـ 16، موقعاً سكنياً مكتظاً بالسكان المدنيين وقتل 15 فلسطينيا بينهم تسعة أطفال وأربع نساء وجرح اكثر من مائتي مدني فلسطيني، اكثر من خمسة منهم في حالة الخطر.

أراد شارون من هذه العملية الإجرامية (التي تنطبق عليها كافة مقاييس إجراء محاكمة قادة الجيش الإسرائيلي كمجرمي حرب) ان ينهي هذه الجهود كي يعود لتطبيق مخططه في ضم الارض الفلسطينية وبناء المستوطنات وإبقاء الشعب الفلسطيني أسير معسكرات الاعتقال الاسرائيلية. لقد أدان العالم هذه العملية الاجرامية، لكن هذا لا يكفي، لقد عارض شارون بارتكاب هذه الجريمة البشعة كل المبررات العربية بأن قبلوا بتحريك فاعل ضغط على الادارة الاميركية لإرسال مراقبين دوليين وقوات لحماية الشعب الفلسطيني وإجبار اسرائيل على الانسحاب والبدء بمفاوضات اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

فإذا كانت نصائح الدراسات الاستراتيجية للرئيس بوش تفيد بأن رد الفعل العربي لن يكون مؤثراً فيما إذا دعم شارون وحكومته فإن المطلوب من الدول العربية (التي قدمت مبادرة للسلام الشامل في بيروت) أن تبرهن لبوش ان الدراسات غير صحيحة وان العرب يلحون ويصرون على تحرك فوري لإنهاء جرائم الحرب الاسرائيلية وإنهاء الاحتلال والسير نحو السلام، حسبما طرح الرئيس بوش: دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل استناداً لقرارات مجلس الأمن 242 و338 وقرار إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الارض الفلسطينية التي احتلتها اسرائيل عام 1967. وهذا هو التحرك المطلوب فشارون يريد ان يبقي نيران مدافعه وطائراته مستمرة في قتل الفلسطينيين جماعياً وهدم بيوتهم وتدمير بناهم التحتية، وذلك انتظارا لتوجيه ضربة للعراق تلك الضربة التي قدم شارون للرئيس بوش ملفا يتضمن خطة ضربة جوية مدمرة للعراق تساهم فيها اسرائيل.

لقد تأكد ان تقرير جهاز المخابرات الاسرائيلية وتقرير جهاز الاستخبارات، اكد لشارون ان توجيه ضربة جوية لمنزل الشيخ صلاح شحادة سوف يؤدي الى سقوط العشرات من المدنيين (خاصة عند الفجر) لأن البيوت المحيطة تكون مكتظة بالأطفال والنساء والرجال.

رغم ذلك اتخذ شارون القرار المجرم.

وكذلك على الدول العربية والترويكا اتخاذ القرار: بدفع الولايات المتحدة والعالم للتحرك الفوري لإنهاء هذه الجرائم وتقديم مرتكبيها للمحاكمة الدولية لجرائم الحرب.

فالوضع في الشرق الأوسط يدفع بسرعة نحو عواقب لا تحمد عقباها، وأصبح هذا أكثر وضوحاً بعد أن أعلن الرئيس بوش انه سيضرب العراق وان خططه المتصلة بضرب العراق لا علاقة لها بموافقة العراق على السماح للجنة التفتيش الدولية بالعمل بحرية على ارضه او عدم السماح لها. أي انه قرر ضرب العراق لأنه يريد ان تسيطر اميركا على نفط العراق.

ولا شك ان الترويكا العربية تعرف الى حد كبير، آثار مثل هذه الحرب الاميركية ضد العراق على كل دول الشرق الأوسط، خاصة ان لحكومة شارون حسب الخطة الاميركية دوراً في العملية العسكرية الاميركية ضد العراق (وما تزويد الولايات المتحدة لاسرائيل بقنابل ذكية من وزن طن وطنين وطنين ونصف وطائرات يبلغ مدى طيرانها أربعة آلاف ميل دون التزود بالوقود، إلا تهيئة لذلك) فهذا سيعقد ويخلخل منطقة الشرق الأوسط بأسرها. وهذا يدعو الترويكا للتحرك مرة اخرى لوضع حد للتصعيد الدموي الذي بدأ يستفحل دون بصيص نور.