برنارد لويس «مؤرخ الاسلام» (2) أطل محمد أركون

TT

كان جيم بيلنغتون صادقا الى اقصى ما يستطيع المرء، في بحثه عن الوسائل التي تجنب الغرب الوصول الى مرحلة المواجهة مع الاسلام. ويجب ان اضيف هنا، ان الرجل كان قبل امانة مكتبة الكونغرس، من اهم اساتذة التاريخ السوفياتي في اميركا، ومن اشهر تلامذته في هذا الحقل، كوندوليسا رايس، لكن بعد تعيينه امينا للمكتبة اصبح يتعين عليه ان يكون ملما بجميع شؤون العالم، وان يكون لديه ما يجيب عنه عندما يتناول العشاء مع الرئيس. وها هو المستر بيلنغتون، وقد انتهى الصراع السوفياتي ـ الاميركي، يطرح سؤالا مهما على نفسه ودولته: كيف نتجنب المواجهة مع الاسلام؟

اعرب رجا الصيداوي عن استعداده لان يوفد الى مكتبة الكونغرس عددا من كبار المفكرين الاسلاميين، من مختلف الرؤى، لكي يشرحوا للغرب معنى الاسلام. واقترح لذلك عددا من الاسماء ذات الخلفيات السياسية والوطنية المختلفة. لكن بعد هذا اللقاء بقليل، انفجر 11 سبتمبر في عين العالم كله. وفجأة اصبح للاسلام في العالم صورة واحدة مسلم بها في معظم الاقطار، هي صورة اسامة بن لادن والملا عمر. هذا اذا صح التعبير. فالملا عمر رجل لا صورة له ولا معالم ولا مقر، فيما تملأ صور اسامة بن لادن العالم. وها هو جورج بوش يوزع ملصقا عنها تحت عنوان «مطلوب حيا او ميتا».

وفي ذروة هذا الجدل الكوني برز من جديد البروفيسور برنارد لويس. الرجل الموضوعي الهادئ الذي قارب السادسة والثمانين من العمر. فأي مرجع افضل منه وأي اكاديمي اكثر طلاقة وفصاحة وثقة! واصبح البروفسور لويس يدعى الى كل مكان، من دون ان يقف في وجهه اي محاور او مناقش او مدافع.

وعندما دعي الى مكتبة الكونغرس كانت المسألة قد تخطت حدودا كثيرة. ولذلك اقترح رجا الصيداوي ان يكون في مقابل برنارد لويس استاذ عربي. ووقع الاختيار على البروفسور محمد اركون، الذي كان مرتبطا بمحاضرات ومواعيد سابقة. لكن اركون اُقنِع بان مواجهة برنارد لويس هي اهم من اي عمل آخر الآن. وذهب اركون الى مبارزة فكرية في واشنطن مع «مؤرخ الشرق الاوسط» و«بطريرك الاسلام». وعرفت ان لويس قد هزم شر هزيمة، لكنني لم اتلق للاسف الى الآن، نص اللقاء الذي طلبت الحصول عليه حرفيا. ولم يعد ذلك مهما. فالحقيقة انه ليس السبب الذي دفعني الى اثارة موضوع برنارد لويس الآن. وكنت قد وعدت نفسي ان اطوي الامر وان احتفظ به لذاتي. وقلت، منذ الحلقة الاولى، انني لست المؤهل للرد على سموم لويس برغم وضوحها، ولا اريد التنطح لموضوع لا اعرف عنه ما يكفي برغم كل ما اعرف وما قرأت. ولكنني كنت اعرف شيئا واحدا حق المعرفة، وهو ان برنارد لويس يخفي تحت ظلال الاكاديمية والموضوعية، تشويها ماكرا للتاريخ، وانه بعد 11 سبتمبر بالذات، رأى في انهيار البرج التجاري انهيار آخر جسر في محاولات التفهم والحوار والتعرف. ورأى، كما رأى سواه من العميان او الجهلة او سيئي النية او المهرجين او الدجالين او النصابين، ان هذه فرصة ذهبية ماسية لن تتكرر، وهي الحاق الاسلام بأسامة بن لادن والملا عمر، ونقله من مكة والازهر والاندلس وفاس والقيروان، الى قندهار وتورا بورا ومزارع الافيون وقوافله الطويلة، وتحويل الاسلام من تراث ازدهاري فكري علمي تقدمي رائع، الى مجموعة سرية غامضة رأت في بلد مثل افغانستان، محدود اللغة (او اللغات) محاصر بنفسه وخلافاته ونزاعاته التاريخية ولا تزيد موازنته على 200 مليون دولار رأت فيه منطلقا للنهضة الكبرى ومواجهة الازدراء الاستعماري المستمر لحضارة انسانية كبرى تنبسط على ارباع الكون، والى اللقاء.