فشل سياسة التذاكي

TT

دعا العراق رئيس الوزراء البريطاني لتشكيل لجان بريطانية للتفتيش على اسلحة الدمار الشامل العراقية، وبعدها بأيام قدم العراق دعوة الى الكونغرس الاميركي لاحضار خبراء اميركان للغرض ذاته.

هذه الدعوات تدل على سياسة عبثية في التعاطي مع قضية جادة، فالعراق يعلم ان بريطانيا او اميركا لا يمكن لهما الالتفاف على قرار مجلس الامن الذي حدد آلية خاصة للتفتيش ووضع لجنة مختصة تتشكل بقرارات محددة، والعراق الذي يتهم مجلس الامن بأنه ألعوبة بيد اميركا، يوافق على حضور خبراء اميركيين وهو تناقض عجيب مع المنطق والعقل، والعراق الذي يتهم عددا من المفتشين بانهم عملاء للمخابرات الاميركية يوافق هذه المرة ودفعة واحدة وبدون مقدمات على احضار اميركان للتفتيش، وهو يعلم انه لو حدث ذلك فان اميركا سترسل فريقا استخباراتيا محترفا للقيام بالمهمة.

ما دام العراق يدعو الانجليز والاميركان الى بغداد للتفتيش وهو يعلم ان هاتين الدولتين تحديدا تتخذان موقفا صلبا من العراق وتحضران لعملية عسكرية ضده، فما الذي يمنع العراق من السماح لفريق التفتيش الدولي للذهاب الى بغداد وسد الطريق على الاعذار الاميركية، وتنفيذ القرار الدولي الواضح بهذا الشأن، ولماذا يجتمع وزير خارجية بغداد بالامين العام للامم المتحدة كوفي عنان ثم يعلن انهيار المباحثات، وبعدها يدعو رئيس المفتشين الدوليين لزيارة بغداد «للتباحث» وليس للتفتيش وهو يعلم انه ليس هناك شيء يمكن لرئيس الفريق الدولي المكلف بالتفتيش ان يتباحث عليه فهو يملك سلطات تنفيذية من مجلس الامن والامين العام.

عملية التذاكي واللف والدوران يمكن ان تنجح بعض الوقت على المستوى الشخصي ولكنها عملية مؤذية ومكشوفة في العلاقات الدولية، ولعبة اطالة الوقت ممكنة ومفيدة اذا كان الوقت يسير لصالح العراق، لكن العكس هو الصحيح، فالعد التنازلي لضربة متوقعة اصبح واقعا، والعراق خسر حلفاءه ولم يعد احد يستطيع الدفاع عنه بسبب سياسة العناد والمكابرة، ويبدو انه لا احد في بغداد يستطيع ان يقول الحقيقة، ولا احد في بغداد يصغي الى نصائح «الاصدقاء» وشبه الاصدقاء، ويبدو ان عقلية المكابرة التي اثبتت فشلها ودفع الشعب العراقي بسببها خسائر فادحة هي عقلية مستمرة ولم يطرأ عليها تغيير، وهو امر يثير الحزن على بلد ينتقل من حرب الى اخرى ومن كارثة الى اخرى مع غياب واضح للمسؤولية الوطنية والاخلاقية تجاه البلاد والعباد.