.. ألا يستحق وسام الانتفاضة؟!

TT

على الرغم من ان فارق العمر ليس كبيراً، فإن الفنان المبدع حقاً محمود كحيل هو أستاذي الذي علمني فن الاخراج الصحافي عندما كنت طالباً في كلية الصحافة في الجامعة اللبنانية، وهو فوق ذلك زميلي وصديقي ومع هذا فإنني لا أعتقد ان شهادتي «مجروحة» عندما أقول إنه ابتسامة دار الصحافة العربية في لندن وإن رسوماته في اصدارات الشركة السعودية للأبحاث والتسويق حول انتفاضة الأقصى ودفاعاً عنها تساوي ما تقوم به كتيبة مقاتلة، مجوقلة، ترابط في الصفوف الأمامية.

ابان الاحتلال النازي لفرنسا ظهر ما سمي أدب المقاومة وأعتقد أن كثيرين قرأوا تلك القصة الرائعة التي عنوانها «باريس تحت الصفر» وهي تتحدث عن عائلة فرنسية أضطرت لتأجير احدى حجرات منزلها لضابط الماني وبقي افرادها يرفضون التحدث مع هذا الضابط ولو بكلمة واحدة خلال كل إقامته بينهم تعبيراً عن حقدهم على الاحتلال ومقاومتهم له.

قبل عشرة أعوام أهدى محمود كحيل إبني الأصغر نزار لوحة كرتونية، كانت نشرتها مجلة «المجلة» ويظهر هذا الرسم الكرتوني الذي كانت مناسبته انعقاد مؤتمر مدريد للسلام حمامة بيضاء يحشرها رئيس الوزراء الاسرائيلي الأسبق اسحق شامير في عدد من الاقفاص الحديدية المتداخلة تعبيراً عن واقع العملية السلمية في ذلك الوقت وفي المراحل اللاحقة.

ونحن اذ نعود الآن الى هذا الرسم الكرتوني، اللوحة، فإننا نجد أن عين الفنان المبدع سبقت كل التوقعات وأن ريشته حددت أبعاد العملية السلمية في وقت مبكر وأن حمامة السلام لا تزال أسيرة الأقفاص الاسرائيلية المتداخلة على الرغم من مرور نحو عشر سنوات عجاف على العملية السلمية وعلى الرغم من كل هذه الاتفاقيات التي لم نعد نستطيع عدها لكثرتها.

لم تتوقف ريشة محمود كحيل واستمرت رسوماته التي تعبر عن المرارة الممزوجة بسخرية جارحة تلاحق الحدث لحظة بلحظة وتحدده تحديداً دقيقاً فظهرت في «الشرق الأوسط» في عدد يوم الثلاثاء الماضي لوحة معبرة وعظيمة تلخص مشهد ما يجري في فلسطين الآن من دون أي تعليق مكتوب.

هناك حلبة ملاكمة يقف فوقها طفل فلسطيني بكل تحد وهو مكتوف اليدين وفي جيبه «نقافة» مطاطية وأمامه جندي اسرائيلي مدجج بكل الأسلحة، يده على الزناد ويعتمر خوذة فولاذية ممهورة بنجمة داود ويكشر عن أنياب يطل عليها من الأعلى أنف معقوف كأنوف الذين يطاردون الأطفال الفلسطينيين كل يوم في الضفة الغربية وغزة.

حول حلبة الملاكمة تبدو المقاعد خلف الطفل الفلسطيني خاوية كأنها القبور بينما المقاعد خلف الجندي الاسرائيلي محتلة بمشاهدين أميركيين يهزون قبضاتهم تشجيعاً للجندي الاسرائيلي للانقضاض على الطفل الفلسطيني.. وفي أقصى يمين هؤلاء المشجعين يهودي يدعو للطفل الفلسطيني بالهزيمة بحركة من إبهام يده المنطلق نحو الأسفل من قبضة يده المرتعشة.

ألا تستحق هذه اللوحة أن تكون شعار الانتفاضة الفلسطينية الباسلة..؟؟ ألا يستحق محمود كحيل وسام هذه الانتفاضة..؟ ألا تستحق هذه اللوحة أن تنشر في احدى الصحف الأميركية الكبرى المنحازة الى اسرائيل ولو في هيئة إعلان مدفوع الثمن..؟.