انتبه: تحويلة!

TT

منذ 14 تشرين الماضي، توقفت البحرية الاميركية عن استخدام قناة السويس، هذا الممر المائي الاسطوري البالغ طوله 160 كيلومتراً والذي ارتبط اسمه، منذ القرن التاسع عشر، بكل سياسة من سياسات مصر وبكل حدث من احداث المنطقة، بالاضافة طبعاً الى اكبر حروبها من حيث نوعية المشتركين: فرنسا وبريطانيا واسرائيل في مواجهة مصر.

تتجنب البحرية الاميركية القناة منذ الهجوم الانتحاري على المدمرة «كول» في ميناء عدن، المدينة التي كانت «مرفأ حراً» ايام الاستعمار البريطاني، وكانت مركزاً لتبضع الحديد القديم في الحرب العالمية الثانية، عندما أم فنادقها الصغيرة التجار ذوو النظارات السوداء، من المانيا وايطاليا وبريطانيا. والسويس هي الطريق البحري العادي ـ او المعهود ـ الذي تتخذه سفن الاسطول القادمة من الشرق الاميركي في طريقها الى الخليج.

كان المرء يتخيل ان تتجنب السفن الموانىء العربية، اما القناة نفسها، فهذا يعني الى اي مدى تشعر السلطات الاميركية بالحرج والتخوف، بسبب احداث فلسطين. ومرة اخرى نتذكر ان مثل هذا الجو السياسي لم تعرفه المنطقة الا غداة 1967. يومها لم تعد سفن الاسطول السادس تتوقف في بيروت للتزود بالوقود والتفاح «الغولدن»، ولا طبعاً في موانىء مصر وسورية التي رست فيها السفن حاملة الاعلام الحمراء وبحارة الفولغا.

آنذاك لم تكن السفن تقابل بالزوارق الانتحارية وانما بالتظاهرات. وكان الاسطول السادس رمزاً للقوة الاميركية التي هي رمز لدعم اسرائيل. وغابت الاساطيل الفرنسية والبريطانية ايضاً. ولم تعد تغامر بالظهور على الارصفة وفي الاحواض، سوى السفن الايطالية وبحارتها الذين يصفرّون الالحان ويرفعون اعلام السباغيتي المحايدة.

يبدو انه كان من السهل العثور على هويات الفاعلين في الهجوم على السفينة «كول». لكن بعد 33 عاماً لا يزال الغموض يلف قصف السفينة الاميركية «ليبرتي» خلال حرب 1967: لماذا قصف الاسرائيليون ودمروا سفينة التجسس التابعة لكبرى الحليفات؟ ماذا كانت تفعل ليبرتي حقاً؟ هل كان القصف خطأ «النيران الصديقة» التي تشبه الاهداف الخاطئة في كرة القدم، عندما يحقق احد اللاعبين هدفاً في مرمى فريقه؟

المراكب الصغيرة يكشف امرها سريعاً. اما الاشياء التي لا يكشف امرها ابداً، فقضايا مثل قضية المستر مارتن انديك، الذي لم نعرف بأي قانون امني اخل واي معلومات ترك تنزلق الى اسرائيل وكيف اهمل «مفتاح» كمبيوتره الشخصي، وهل الاهمال في مثل هذه الحال عمد ام قصد ام اذا جئت فامنح طرف عينك غيرنا لكي يظنن ان الهوى حيث تنظر؟ وماذا عن المستر دويتش، الرئيس السابق للسي. اي. ايه؟ اي معلومات «تسربت» منه الى اسرائيل؟ وهل كان اهماله شبيهاً «باهمال» المستر انديك؟

طبعاً الفارق بين قارب عدن الانتحاري وبين قصف السفينة ليبرتي، هو المناخ السياسي. فالقارب جاء من مناخ عدائي سببه اعمال اسرائيل، بينما القصف جاء من مناخ «حليف» وودي. ولكن عندما تبدأ السفن في تجنب قناة السويس نفسها، يساور المرء شك بأن قلقاً غير عادي ينتاب العمارة البحرية بسفنها المائة والستين. او شيء من هذا العدد.