تنازل كلنتون أمام الطموحات السياسية لهيلاري وآل غور دمرت عملية السلام

TT

يدرك كل مراقب واع لتداعي العملية السلمية في الشرق الأوسط أن الولايات المتحدة، خاصة في الأشهر الأخيرة قد تخلت عن دورها كراع نزيه للمفاوضات، وأظهرت تحيزاً واضحاً إلى جانب إسرائيل ضد الفلسطينيين. وقد أسهم هذا الأمر في انهيار المحادثات واندلاع أعمال العنف في الأراضي الفلسطينية التي أشعل شرارتها غزو اريل شارون للمسجد الأقصى مزوداً بجيش من رجال الأمن في 28 سبتمبر. إن إلقاء الرئيس كلنتون باللائمة بشكل لا واعٍ على الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات محملاً إياه مسؤولية فشل محادثات كامب ديفيد في يوليو الماضي كان الدليل الملموس على استسلام إدارته لجناح صقور الحرب الإسرائيلي. لكن الجانب غير المعروف بشكل جيد هو الدور الماكر الذي لعبته الحملات الانتخابية لكل من السيدة الأولى هيلاري كلنتون ونائبه آل غور، بشكل أدى إلى فقدان الرئيس لموقفه تجاه السياسة في الشرق الأوسط، والتخلي عن جهد دام سبع سنين لإحلال سلام دائم في المنطقة. فآل غور مكبل باعتماده الكلي على مستشار أمنه القومي والشؤون الخارجية ليون فورث الذي يعتقد الكثيرون انه هو العميل «ميغا» الإسرائيلي المتغلغل داخل البيت الأبيض، وإيمان غور بأن لا أمل لفوزه بالانتخابات الرئاسية من دون الفوز بولاية فلوريدا. أما هيلاري فقد تحولت إلى التملق المقزز لأسوأ عناصر المافيا الصهيونية اليمينية في نيويورك اعتقادا منها بأن ذلك سيضمن لها أصوات الناخبين اليهود في انتخابات مجلس الشيوخ المقبلة. قبل افتتاح أعمال قمة كامب الثانية ببضعة أسابيع، قيل أن كلنتون نبه ياسر عرفات إلى أن عليه ألا يتوقع منه أن يضع ضغوطاً على إسرائيل لتنفيذ المطالب الفلسطينية في مفاوضات الوضع النهائي، خاصة ان المرحلة الأخيرة من الانتخابات الأمريكية قد قربت. فلنلق نظرة أولا على الضغوط التي خلقتها حملة هيلاري الانتخابية في نيويورك على كلنتون، ثم ننتقل إلى المشكلة الأكثر قدماً في ما يخص آل غور ومستشاره ليون فورث.

هيلاري وانتخابات نيويورك في مايو عام 1988 ساندت هيلاري كلنتون فكرة تأسيس دولة فلسطينية مستقلة، مثيرة بذلك عاصفة من الاحتجاج من قبل عناصر المافيا الصهيونية اليمينية المتمركزة في مدينة نيويورك. قالت هيلاري في خطاب متلفز ألقته آنذاك على اجتماع «بذور سلام الشرق الأوسط» الذي جمع فتياناً وفتيات من بعض دول الشرق الأوسط: «سيكون من مصلحة السلام على المدى البعيد في الشرق الأوسط أن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة... دولة حديثة فاعلة على قدم المساواة مع الدول الأخرى». في الفترة التي تلت ذلك، استمر الرئيس الأمريكي والسيدة الأولى بلعب دور متوازن نسبياً في الشرق الأوسط. وزار الاثنان المجلس الوطني الفلسطيني في ديسمبر وحظيا بالترحيب هناك. بعد حوالي سنة من ذلك التاريخ، أي في نوفمبر 1999 زارت هيلاري إسرائيل ومناطق الحكم الذاتي الفلسطينية. وقامت أثناء تلك الزيارة بمعانقة السيدة سهى عرفات تلك المعانقة الشهيرة، مباشرة بعد إلقاء السيدة عرفات خطاباً اتهمت فيه الإسرائيليين بتسميم الأطفال الفلسطينيين. هذه الحادثة زادت من حدة حملة الاحتجاجات من قبل قادة اليمين الصهيوني المتطرف في نيويورك. فعلى سبيل المثال نشرت صحيفة «نيويورك بوست» على صفحتها الأولى عنواناً عريضاً يقول: «السيدة الأولى تسكت أمام تلطيخ إسرائيل بالدم. عار عليك يا هيلاري». لكن حتى هذه اللحظة بقيت هيلاري ثابتة في دعمها لعملية السلام، كما كان العديد من مستشاريها من دعاة مواصلة العملية السلمية. لكن مع ذلك كانت الطبول تقرع مطالبة هيلاري بتغيير نبرتها الخطابية حتى لا تفقد أصوات اليهود. وقد هددتها صحيفة «جيروساليم بوست» على سبيل المثال أثناء زيارتها إلى المناطق الفلسطينية آنذاك بأن «لا غنى عن الأصوات اليهودية للفوز في الانتخابات» وان على السيدة الأولى «أن لا تكون واثقة كل الثقة بأنها ستحصل عليها». لكن بعد حادثة سهى عرفات بدأت هيلاري بالتراجع. وأول علامة على ذلك ظهرت أثناء لقاء خاص جمع هيلاري بأعضاء الاتحاد الاورثوذكسي. وتحت وابل من الأسئلة والاحتجاجات، قالت هيلاري بأنه يجب تحديد وتضييق الدعم المالي للسلطة الفلسطينية بسبب الكتب المدرسية المعادية لإسرائيل التي تم طبعها واستخدامها من قبل الفلسطينيين. إن قضية الكتب المدرسية الفلسطينية هذه لم تكن مقصورة على الولايات المتحدة فقد شاعت في كل بقعة من بقاع العالم الغربي وفي وسائل الإعلام في حملة قادها اللوبي الإسرائيلي بشكل منظم. التوسل بهايكند لكن تظل العملية الأكثر خبثاً ومكراً ضد هيلاري ولا تزال، هي تلك التي قادها دوف هايكند صاحب النفوذ الكبير في أوساط الجالية الاورثوذكسية اليهودية في بروكلن بالإضافة إلى كونه عضو الجمعية التشريعية لمدينة نيويورك، ويدعي انه من الحزب الديمقراطي رسمياً. بدأ هايكند بالعمل على قضية هيلاري بدءاً من صيف عام 1999، موحياً بأن السيدة كلنتون قد بدأت بالتخلي عن بعض المواقف والسياسات «الكلنتونية». لكنه أضاف أن الطريقة الأضمن «لإثبات ردتها» هو قيامها باستخدام نفوذها لإقناع زوجها بالعفو عن الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد. واستمر هايكند في الضغط على هيلاري التي قررت في شهر أبريل من هذا العام أن الوقت قد حان لأن تذهب إلى هايكند. وقد ظهر كشف قوي لتملق هيلاري وتذللها أمام هايكند في مقالة كتبها ديفيد غران في عدد 16 أكتوبر من صحيفة «نيو ريبابليك» بعنوان «المغازلة». ويصف فيه هايكند والعمليات السياسية التحتية القذرة التي يمارسها في أوساط المافيا الصهيونية في نيويورك. يقول غران في مقالته: «إن هايكند التلميذ المخلص للزعيم الصهيوني المتطرف مائير كاهانا لديه وسيلة اختبار أساسية لامتحان كل مرشح لمنصب سياسي، وهذا الامتحان هو إظهار الدعم المطلق وغير المشروط لإسرائيل». وكان هايكند قد وصف هيلاري بـ«المساندة الأولى لفكرة الدولة الفلسطينية في الولايات المتحدة» وسماها باسم «محامية عرفات الأولى». وباقتراب الانتخابات أصبحت السيدة الأولى على قناعة بأنها بحاجة إلى هايكند مثلها مثل كل السياسيين الآخرين. وفي شهر أبريل ورغم معارضة معظم مستشاريها ذهبت هيلاري إلى بروكلن حيث كان هايكند متربعاً على كرسي والده كخليفة (شيفا) له بعد وفاة الأول. وقضت هيلاري نصف ساعة راكعة أمام أم هايكند. وبعد بضعة أيام، والحديث لا يزال لغران، أخبر هايكند بعض الصحافيين بأنها «سيدة لطيفة. هي ليست معادية لإسرائيل على الإطلاق. هي كان عندها بعض وجهات النظر اليسارية المتطرفة فقط».

وعادت هيلاري في 23 أغسطس والتقت بهايكند في لقاء خاص، ادعى بعده أحد مساعدي هايكند بأنها كان يبدو عليها أنها قد «نومت مغناطيسياً» أثناء اللقاء. واعترف هايكند أن ما طلبه من هيلاري في هذا اللقاء هو أن تقوم بعمل استثنائي «لتثبت للجميع أنها ليست مع العدو بل هي في الواقع من الأصدقاء». وأحسن وسيلة للقيام بذلك حسب هايكند هو أن تقوم بإقناع زوجها بإصدار عفو عن الجاسوس بولارد. في اليوم الذي أعقب ذلك اللقاء تناهى إلى سمع هايكند بأن بولارد سيتم نقله إلى سجن اكثر خطورة. فنبه هيلاري إلى ذلك في الحال، والتي بدورها اتصلت بالبيت الأبيض. وفي غضون 24 ساعة قرر مديرو السجن الذي يقبع فيه بولارد أن لا ينقلوه إلى مكان آخر. يقول هايكند في هذه الواقعة: «المحصلة النهائية هي أنها (هيلاري) تسير في الاتجاه الصحيح». وقد يتذكر البعض الاشاعة التي انتشرت اثناء قمة كامب ديفيد ومفادها ان الرئيس الامريكي قد عرض على رئيس الوزراء الاسرائيلي اطلاق بولارد مقابل تنازله بعض الشيء لعرفات بخصوص القدس.كامب ديفيدلو كان الأمر قد اقتصر على تودد وتملق هيلاري للصهاينة المتطرفين في نيويورك لهان الأمر، فإن ما حصل أثناء انعقاد قمة كامب ديفيد الثانية أدهى أنكى. إذ تشير جميع الوقائع إلى أن كلنتون قد وقع تحت ضغوط إضافية من جانب هيلاري أثناء تلك القمة. فبعد أيام قليلة من بدء اجتماعات القمة في 11 يوليو، ضربت هيلاري فضيحة جديدة مفادها أنها تفوهت بعبارة واحدة معادية لليهود قبل 25 سنة (!!). وقد ذاعت هذه «الفضيحة» عندما نشرت صحيفة «نيويورك بوست» خبراً بالخط العريض على صفحتها الأولى في 15 يوليو بعنوان «غضب عارم نتيجة الادعاء بأن كلنتون تفوهت بعبارات معادية للسامية في كتاب جديد». ونشرت نيويورك بوست لقاء صحافياً مع زوجة بول فراي وهو موظف سابق في حملة كلنتون في ولاية اركنسو الذي ادعى أمام زوجته بأن هيلاري في لحظة غضب وصفته «إبن الزنى اليهودي …» عام 1974. وفي نفس اليوم نشرت نفس الصحيفة افتتاحية بعنوان «مشكلة هيلاري مع اليهود» استعادت فيها قصة سهى عرفات القديمة، ونشرت بالإضافة إلى ذلك تعليقاً بقلم أحد الكتاب يقول بأن هذه الفضيحة قد أدت إلى تلاشي فرصة هيلاري في الترشح إلى مقعد سيناتور، ومطالباً في نفس الوقت يهود نيويورك بأن يخبروا هيلاري أن «تعود إلى اركنسو وتتعفن هناك». واستمرت الصحيفة هذه بتغطية هذه القضية بشكل بارز لمدة أسبوع كامل. واستمرت التعليقات التي تقول إن مشكلة هيلاري ليست ما قالته قبل 25 سنة بل موقفها من عملية السلام الآن. كل هذا كان يجري والرئيس كلنتون مشغول في مفاوضات مكثفة في كامب ديفيد. ولا بد من الإشارة إلى أن إمبراطور الإعلام اليهودي روبرت مردوخ يملك صحيفة «نيويورك بوست» ودار نشر «هاربر كولنز» التي نشرت الكتاب بالإضافة إلى أن الشخص الأول الذي اخرج القصة إلى العلن هو «مات درادج» الذي يخرج برنامجاً استعراضياً على قناة تلفزيون «فوكس» التي بدورها من ممتلكات مردوخ. واستمرت صحف يهودية يمينية أخرى مثل «فوروارد» في التنكيل بهيلاري والتذكير بمواقفها السابقة من الفلسطينيين ومعانقتها سهى عرفات.. الخ، مدعية بأن هيلاري لا أمل لها في الحصول على أصوات اليهود في نيويورك. بعد أيام من ذلك، في 25 يوليو انتهت محادثات كامب ديفيد بالفشل، وقام الرئيس كلنتون بإلقاء اللوم على الرئيس ياسر عرفات، مدعياً بأن الإسرائيليين كانوا مستعدين للتقدم إلى أمام لكن عرفات لم يكن يملك نفس الاستعداد. هيلاري ترتمي في أحضان اليمين الصهيوني تماما في الأسابيع القليلة الماضية، عبرت هيلاري عن مواقف اشد دعماً وتحيزاً لإسرائيل من أي وقت سبق، وجاءت بعض هذه المواقف في تعارض شديد مع إدارة زوجها. فعلى سبيل المثال، في 7 أكتوبر وبعد أن امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت على قرار مجلس الأمن الذي أدان إسرائيل «لاستخدامها المفرط للعنف» ضد الفلسطينيين، نددت هيلاري بالولايات المتحدة قائلة بأنه كان من الاجدر بالولايات المتحدة أن تستخدم الفيتو ضد القرار. في اليوم التالي وصفت هيلاري مسؤولية عرفات عن أعمال العنف بأنها مسؤولية واضحة وكاملة. في الأسبوع الذي تلا هذه التصريحات ظهرت بضعة مقالات في الإعلام الأمريكي والأوربي تبين فيه مدى تقزز قطاعات واسعة حتى من النخب الأوربية والأمريكية من درجة التملق والتذلل المخزية التي تمارسها هيلاري أمام اللوبي الصهيوني اليميني. كما بدا واضحاً من تلك المقالات التي نشرت على سبيل المثال في «نيو ريبابليك» و«نيويورك اوبزرفر» وحتى في الصحيفة الألمانية «فرانكفورتر ألجماينه تسايتنغ» فإن هؤلاء رأوا أن الرئيس الأمريكي قد تمادى في الانصياع لمطالب زوجته وطموحاتها السياسية. غور وفورث و«ميغا» إن هذه المشكلة هي ليست أولى مشاكل كلنتون مع صقور الحرب الإسرائيليين وأصدقائهم وعملائهم في الولايات المتحدة. فمعظم حملة التشهير المطالبة بإقالة كلنتون بعد فضيحة مونيكا لوينسكي قادتها المنظمات المسيحية الايفانجيلية والأصولية في الولايات المتحدة التي تكون جزءاً كبيراً من التحالف المتطرف الذي يعمل على نشوب حرب «الارماجيدون» في الشرق الأوسط. فبعد مثل تلك الحرب سيظهر المسيح المخلص حسب اعتقادهم، والوسيلة الأمثل إلى ذلك هو دفع اليهود الإسرائيليين وتشجيعهم على خوض مثل هذه الحرب بعد بناء معبد الهيكل فوق ارض المسجد الاقصى. ومن اشهر شخصيات هذا الأوساط المسيحية هما المبشران التلفازيان جيري فالويل وبات روبرتسون، وكلاهما من الحاقدين على كلنتون. وقد استضاف فالويل وروبرتسون رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو في أمريكا في نفس الأسبوع الذي ظهرت فيه قصة مونيكا لوينسكي إلى العلن في شهر يناير 1998. في يونيو عام 1998، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» أول شرح لطبيعة عمل وشخصية مستشار آل غور للأمن القومي ليون فورث. في وسط ذلك المقال تذكر «البوست» أن بعض موظفي وزارة الخارجية الأمريكية «يعتقدون جازمين انه هو الوسيط الذي بواسطته حصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على معلومات بالغة السرية من البيت الأبيض». وهذه إشارة تعيد الذاكرة إلى قصة العميل الإسرائيلي المعروف باسم سري هو «ميغا». وهذه قصة بدأت بالظهور علنا قبل سنة تقريبا من ذلك التاريخ. في مايو 1997، نشرت «واشنطن بوست» خبراً مفاده أنه خلال عام 1997 فتحت وكالات المخابرات الأمريكية تحقيقاً للتأكد إن كان أحد المسؤولين الرفيعي المستوى في البيت الأبيض يقوم بتمرير معلومات سرية إلى حكومة إسرائيل. وقد بدأ هذا التحقيق بعد أن اعترضت وكالة الأمن القومي رسالة من الموساد الإسرائيلي تشير إلى العميل «ميغا» بخصوص الجهود المبذولة للحصول على رسالة سرية وجهت في 16 يناير 1997 من وزير الخارجية الأمريكي وارين كريستوفر إلى عرفات. ونوهت «واشنطن بوست» بأن هذه القضية قد تصبح اكثر جدية من قضية الجاسوس بولارد. وقد ذكرت بعض المصادر الأمريكية لمجلة «إكسيكتف انتيليجنس ريفيو» بعد عملية الاعتراض هذه أن الموساد الإسرائيلي قد أرسل فريقاً مختصا في مجال الاتصالات إلى واشنطن، وان هذا الفريق باشر بعملية تنصت على هاتف مونيكا لوينسكي وسجلت على الأقل 30 محادثة هاتفية بين كلنتون ولوينسكي. وقد تم استخدام التهديد بفضح هذه التسجيلات لإجبار الحكومة الأمريكية على التخلي عن التحقيق في هوية «ميغا». ووفقاً لتقارير نشرت العام الماضي، قامت شركة اتصالات مملوكة إسرائيليا بالاشتراك جزئياً في عقد لنصب نظام هاتف جديد في البيت الأبيض في أوائل عام 1997. وقيل إن أحد المسؤولين في هذه الشركة قام باعتراض مكالمات خاصة بالبيت الأبيض وحولها مباشرة إلى تل أبيب. لكن جميع التحقيقات المتعلقة بعمليات إسرائيلية في البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبنتاغون أغلقت فجأة. إن الظروف المحيطة بعملية توظيف مونيكا لوينسكي (التي كان معروف عنها أنها «خطافة رجال») في البيت الأبيض عام 1995 هي أيضا مدعاة للتساؤل. ومن الجدير بالاهتمام أنها حاولت معاودة الاتصال بكلنتون في فبراير 1997 (في خضم عملية التحقيق في قضية «ميغا» وأثناء عملية تسجيل مكالمات كلنتون من قبل فريق الموساد) إذ أن كلنتون كان قد قطع علاقته بها قبل اكثر من سنة من ذاك التاريخ. وفي 29 مارس 1997 وقع الاتصال الجنسي الأخير بين كلنتون ومونيكا. وفي هذا اللقاء اخبرها بشكوكه في أن إحدى السفارات الأجنبية تراقب مكالماته الهاتفية. وهذه معلومة مهمة تضمنها التقرير الذي أرسل إلى الكونغرس في سبتمبر 1998، لكن العجيب هو أن هذا الكشف المهم لم يول أي اهتمام يذكر. ومن المسائل الشديدة الإيحاء في هذا الشأن هي أن الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن يذكر في كتاب يتضمن يومياته أيام الحكم وصدر حديثاً، انه تسلم تقريراً مخابراتياً في أواخر عام 1996 مفاده أن أعداء الرئيس الأمريكي يحاولون زرع فتاة شابة محرضة ضمن حاشيته، لتدبير فضيحة كبرى لكلنتون من شأنها أن تدمر سمعة الرئيس ومصداقيته السياسية. وفي الواقع أن مونيكا لوينسكي تم تعيينها في البيت الأبيض كمتدربة في صيف عام 1995، ومغازلات كلنتون معها بدأت كما قيل في ما بعد في وسط نوفمبر 1995 أثناء الأزمة بين البيت الأبيض والكونغرس حول الميزانية التي سميت بـ«اغلاق الحكومة». ولكن تحقيقات المحقق الخاص كينيث ستار لم تبدأ إلا بعد الانتخابات في نوفمبر 1996، حين حول «ستار» التحقيق من قضية الفساد المالي في «وايت واتر» إلى قضية حياة كلنتون الجنسية. وفي ذات الوقت ظهرت في صحيفتي «واشنطن تايمز إنسايت» و«أميريكان سبيكتاتور» مقالات وتعليقات حول إمكانية عزل الرئيس الأمريكي. كل هذه الأمور تدل على عملية ابتزاز وضغط مترامية الأطراف وجهت ضد إدارة الرئيس أثناء فترة رئاسته الثانية. وبالرغم من أننا لا نبرر هنا ما يقوم به الرئيس تجاه عملية السلام، فان معرفة خلفية هذا الواقع الذي تعيشه السياسة الأمريكية أمر لا بد منه لكل باحث مطلع، وقد يكون هذا هو ما يعنيه البعض بقولهم إن كلنتون ربما كان يحمل نيات سليمة، لكنه محاط بزمرة كبيرة من الصهاينة وعملاء إسرائيل. فهذه الضغوط بدأت حتى قبل أن تطفو الضغوط من حملة هيلاري وآل غور إلى السطح والتي أكملت عملية تحويل كلنتون من وسيط في عملية السلام إلى مدافع عن الأطماع الإسرائيلية في فلسطين والعالم العربي على الأقل في اللحظة الراهنة. وإذا كان لعملية السلام أن تنهض من رقادها أو موتها الحالي فلا بد للرئيس كلنتون من معجزة يسترد بها دوره وثقله في تحديد مسار هذه العملية.

* كاتب عربي مقيم في السويد