لهم الأمن.. ولنا تقرير المصير

TT

في دراسة ذات اهمية كبيرة للدكتور سلمان ابو ستة عن اللاجئين الفلسطينيين تضيف كذبة جديدة الى سجل كذب وافتراء الدعاية الصهيونية في عدم امكانية عودة اللاجئين الى مدنهم وقراهم التي رحلوا منها عام 1948. يبين الدكتور ابو ستة وبالخرائط الجغرافية كذب الادعاد الاسرائيلي ويؤكد ان الارض ليست مكتظة بالسكان. ويثبت ان الكثافة السكانية لا تزيد على ستة اشخاص في الكيلومتر المربع، بينما هي ستة آلاف شخص للكيلومتر المربع في غزة. ايضا تبين الدراسة، بما لا يدع مجالا للشك، بأن سكان اسرائيل يتوزعون على اقل من ربع مساحتها وان بقية المساحة خالية من السكان، وان عملية التطهير العرقي والعنصري التي تمت في فلسطين عام 1948، كانت مبرمجة ومخططا لها على مدى سنوات سابقة، كما اكدها بن جوريون حين قال بأن تدمير فلسطين شرط اساسي لقيام اسرائيل.

هذا كله جهد كبير لا يستهان به، ولكن غير المعقول هو اصرار ابو ستة على التطبيق الحرفي لعودة خمسة ملايين لاجئ، ثم حقهم بعد التطبيق الفعلي للعودة، الخيار ما بين البقاء تحت سيادة الدولة العبرية او الهجرة مرة اخرى الى اي مكان في الارض. ايضا اجابته على ما سيحدث للدولة العبرية بعد العودة حين قال: هذا شيء لا يهمني.

ما يدهشني هو ان يتقدم الدكتور ابو ستة بخطة عودة كاملة وشاملة لخمسة ملايين لاجئ فلسطيني عبر 7 مراحل.. وهو يعلم باستحالة تطبيقها.

حقا هو امل رائع لا ادري كم سيتطلب من سنوات اخرى تضاف الى سجل معاناة الشعب الفلسطيني المستمرة، ولكن في خلال سنوات الانتظار، أليس من حق الفلسطيني ان يعيش بأمان ويحصل على شيء من حقوقه الانسانية مثل بقية البشر؟

فهل من العدل اضاعة سنوات جديدة في وهم وفي حلم وفي اطالة أمد الصراع؟

ألم يحن الوقت لعملية صادقة من البحث في الذات عن اسباب استمرار هذا الصراع وعن المستفيد الاول من بؤس اللاجئين. ثم ما هو الحل العملي للتخفيف من معاناتهم؟.

الحقائق التاريخية تؤكد ما يلي:

ـ ان الصهيونية العالمية خططت لاخلاء فلسطين وبناء الدولة العبرية بمساعدة المجتمع الدولي الذي باركها لتبرئة ضميره من مسؤوليته عن المحرقة النازية.

ـ ان الدول العربية والفلسطينيين ساهموا عن جهل بمساعدة هذه الخطط وبدون اي حساب لعواقب ما سيحدث.

ـ هاجر الكثير من الفلسطينيين خوفا من الحرب قبل ان تبدأ.

ـ حين تسرب الى علم بعض الفلسطينيين المخطط الصهيوني سارعوا الى بيع املاكهم خوفا من المستقبل المجهول.. (وثيقة «الآباء القابضون»، نشرت في «القدس العربي»).

ـ حين وقعت الدول العربية على معاهدة الهدنة في لوزان عام 1949، لم تتمسك بأن حدود هذه الدولة الوليدة هي حدود قرار التقسيم 181، وهنا اهملت خطرين، الاول: ان مجرد التوقيع يعني الاعتراف الضمني بالدولة العبرية. الثاني، ان توقيعها على حدود اكبر من حدود قرار التقسيم يضع الاراضي المضافة الى قرار التقسيم في وضع اراض معترف بها ضمن حدود هذه الدولة الجديدة وليست اراضي متنازعا عليها.

ـ حين قامت الدول العربية بطرد الاقليات اليهودية الموجودة على اراضيها مثلما حدث في العراق واليمن ومصر وغيرها، وان كانت هذه الاقليات ايضا لعبت دورا في هذا الطرد، وكان الاولى ان تقدم للمحاكمات على اعتبار انها تخضع للقوانين المحلية.

ـ حين نصبت الدول العربية نفسها وكيلا عن الفلسطينيين ولم تعطهم حق الاختيار وتمثيل انفسهم في مؤتمر لوزان مما اقنع المجتمع الدولي في حينه بأن المهاجرين هم جزء من المجتمعات العربية، وانهم سيعاملون معاملة المواطنين العرب تحت راية القومية العربية التي تولت الدفاع عنهم واحتضانهم في اراضيها.

علينا البحث والمراجعة والاعتراف بالقصور الذاتي في تقييم المشكلة واسباب الفشل في تحقيق تعاطف دولي في حينه مماثل لما حصلت عليه الدولة العبرية.

والاهم من ذلك الاجابة عن سؤال: هل نحن على استعداد نفسي لخوض معركة عسكرية..؟ وهل ستساعدنا في حل قضايانا بدءا من الفقر والتخلف الاقتصادي ونقص المعرفة وانتشار الامية والبطالة المقنعة وانتهاكات حقوق الانسان، وصولا الى انعدام الحرية التي تشكل عاملا اساسيا في التطور. ثم قضية المرأة التي تعكس صورة سلبية في المجتمع الدولي. كل هذا متوج بانعدام الديمقراطية وليس فقط القضية الفلسطينية.

نعم حق العودة ثابت ومقدس ولكنه لا يستمد قوته من قرار 194 لانه قرار جمعية عمومية وليس مجلس أمن، بل يستمد قوته من القانون الدولي، والقانون الدولي الانساني ومن معاهدة جنيف الدولية، اي انه من الممكن تطبيقه حتى بعد آلاف السنين، كما حدث مع اليهود انفسهم.

لا يجب استعمال قدسية حق العودة على حساب الكرامة الانسانية التي حرم الفلسطيني منها. ان قدسية احترام الكرامة الانسانية للاجئ تتم من خلال اعتراف اسرائيل بالمسؤولية الاخلاقية التي هي اهم من التطبيق الفعلي والحرفي للعودة التي يمكن تطبيقها بصورة رمزية، بحيث لا تهدد وجود الآخر.

قد لا ننسى ولكن يجب ان نغفر لتمهيد الطريق لحياة ومستقبل افضل. لقد كافح الفلسطيني من اجل المساواة في حقوقه التي حرم منها سواء تحت الاحتلال البغيض او تحت قيادته الحالية. وفي الدول العربية التي استضافته وابقت على بؤس مخيماته برغم الشعارات القومية وقد حان الوقت لكي يأخذ حقه في حياة كريمة ومشرفة.

ثمة مسألتان ضروريتان للسلام، احداهما خاصة باليهود وهي الشعور بالامان، والاخرى بالفلسطينيين وهي التمتع بكافة الحقوق الانسانية اي الاحساس الفعلي بالمساواة.

ومن هذا المنطلق نستطيع ان نضع اسرائيل بين خيارين: اما ان نعيش معاً في دولة ديمقراطية علمانية نتساوى فيها كلنا امام القانون بدون تمييز ولا تفرقة لا في اللون ولا الجنس ولا العقيدة، واما ان تأخذ مستوطنيها وترحل الى حدود ما قبل الخامس من حزيران بضمانات لأمنها مقابل حق كامل للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في دولة مستقلة.

* ناشطة في مجال حقوق الانسان