هؤلاء في عجلة من أمرهم

TT

هناك تعجل لإعلان سقوط النظام العراقي ليس فقط في البيت الابيض بل في اماكن متعددة دون الانتباه الى ان الفارق الزمني الفاصل بيننا وبينها بعيد نسبيا، أي بين ما يقال ومتى يحدث، وربما لن يحدث شيء مستقبلا. اكثر من صحفي اعد وقدم مقالات وموضوعات عن «النظام البائد»، رغم انه لا يزال يتنفس، مقترحين ان تكون لهم الاولوية في النشر، وآخرون عرضوا تقديم خدماتهم للمراسلة بعد تغيير النظام ومؤلفون بدأوا يتحدثون عن مواعيد النشر لكتبهم المقبلة، وأحدهم ارسل يقول اننا سنرى عجائب وفضائح في صناديق الوثائق العراقية عندما تفتح بما فيها من مراسلات.

قلت لهؤلاء المتحمسين: مهلا فكل ما يقال مجرد كلام لا يستحق ترتيب حياتكم وفقا لـ«روزنامته». هذه الخفة واستباق الأمور ليسا من خصائص الصحفيين وحدهم بل حتى رجال الاعمال، الذين كنا نعتقد انه لا يهزهم كلام الجرائد، فجأة انتقلوا من الحديث عن الاستثمار في ظل النظام وقرب نهاية العقوبات الدولية الى الحديث عن التعامل مع القوى السياسية العراقية الجديدة وافكار لتنفيذ نشاطات استثمارية، ولعل اكثرها طرافة ما رواه احدهم لي من ان شركة غربية قدمت عرضا بتنظيف مدخل ام قصر، الميناء الرئيسي للبلاد الذي يعاني من السفن الغارقة في محيطه. الا تنتظر قليلا حتى تتبين الأمور، ربما يقبل النظام التفتيش وتنتهي الأزمة، ربما ينشغل الرئيس الاميركي بموضوع سياسي آخر، ربما يغير المخططون اسلوبهم للتعامل مع القضية العراقية بابقاء المقاطعة والتخلي عن الحل العسكري او تبني الحل العسكري وتأجيل الموعد سنتين، انها خيارات مفتوحة وحقيقية طالما ان احدا لم يدع بعد انه رأى على طاولة الرئيس الاميركي موعد الحرب.

وربما لدى هؤلاء المتعجلين معلومات اكثر مما لدينا حول موعد التغيير المقبل في العراق، وان كان الامر كذلك ليتهم يشاركوننا حتى نستطيع ان نرتب امورنا الصحفية وفقا لهذه المواعيد الخطيرة، لكن حدسي ان كل ما يقال ليس سوى تربية سياسية واعداد نفسي، فالأمور ليست واضحة ولا توجد قرارات محسومة، واذا كانت قد حسمت فهي لن تتم قبيل نهاية العام الحالي على الاقل وفق رأي الخبراء العسكريين والسياسيين.

ان تهيئة الناس لحرب قد لا تقع، عدا عن انها عبث، تضع عبئا خطيرا على الناس والاقتصاد، فنحن في حالة استنفار لم نشهد مثلها منذ سنوات الحرب الماضية قبل اثني عشر عاما، فهل هناك حرب ام لا؟ لم اعثر على واحد يدعي ان هناك حربا مؤكدة بل جميعهم يتحدثون بحماس عن الحرب ثم ينسحبون عندما يأتي النقاش على ادلة الحوار. وهذه الحالة النفسية تجعل كثيرا من المستثمرين العقلاء قلقين من مضاعفات حرب موعودة وستؤثر على قراراتهم بالاستثمار في كل المنطقة خشية الفوضى وتبدل الاوضاع الاقتصادية.