صقور الحرب في واشنطن هواة في السياسة

TT

يضع الرئيس بوش نفسه في موقع يجعله مجبرا على خوض الحرب، حتى مع غياب حجج مقنعة تدلل على أن الحرب ستكون أمرا جيدا للولايات المتحدة أو حتى لبوش نفسه.

من جانبهم اعرب القادة العسكريون الأميركيون عن عدم اقتناعهم بأن الحرب ضد العراق فكرة حسنة. وعّبر عن هذا الموقف، بشكل واضح، رئيس هيئة الأركان من خلال تسريب هذا الموقف المشترك إلى الصحافة عدة مرات. ويعود خوف هؤلاء الضباط الكبار من هذه الحرب إلى كون أهدافها في مرحلة ما بعد إسقاط صدام حسين من الحكم غير واضحة، إذ لا توجد هناك أية سياسة جدية تتعلق بالعراق بعد إنهاء النظام الحالي فيه.

وإذا كان الجنرالات ضد الحرب مع العراق، على الرغم من احترافهم لها، فإن الهواة متحمسون. ومن بين هؤلاء المناظرون المنتمون للتيار المحافظ الجديد، أو أولئك الكتّاب الذين راحوا يصرخون مطالبين بالحرب، على الرغم من أن الكثير منهم لم يشاهدوا بشكل شخصي طيلة حياتهم دما مسفوحا أو حتى سمعوا صوت طلقات نارية يطلقها رجل تحت تأثير الغضب.

والرئيس بوش نفسه تمكن بفضل أصدقاء أبيه المتنفذين، من أن يؤدي الخدمة العسكرية في تكساس بدلا من الذهاب إلى فيتنام بانتظار محاربة الفيتكونغ في ولايته.

أما الصقور البارزون في الإدارة الأميركية فتاريخهم المهني يشير إلى أنهم بيروقراطيون أكثر من أن يكونوا محاربين، فدونالد رامسفيلد كان مجرد طيار في البحرية الأميركية أثناء فترات السلم، والشخص الوحيد الذي حارب حقا أثناء حياته المهنية هو كولن باول الذي يعتبر من أبرز الحمائم داخل الإدارة الأميركية.

في الأسبوع الماضي وصلت إلى «مجلس السياسات الدفاعية»، الذي يرأسه ريتشارد بيرل، مذكرة من شخص مجهول حتى ذلك الوقت اسمه لورينت موراويك من «راند كوربوريتشن» الاستشارية، وفي هذه المذكرة يطالب كاتبها المجلس الاستشاري باعتبار السعودية عدوا للولايات المتحدة، وهي التي تقوم بتعزيز الإرهاب، «على كل مستوى في المسار الإرهابي... وهي نواة الشر، والمحرك الأول والخصم الأكثر خطورة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط».

واقترح كاتب المذكرة أن توجه الولايات المتحدة إنذارا للحكومة السعودية «لإيقاف جميع التصريحات المعادية للولايات المتحدة وإسرائيل داخل السعودية» ـ اقتراح مناف للعقل ـ أو يتم استهداف حقولها النفطية وأرصدتها المالية في الخارج، وذلك يعني أن الولايات المتحدة تقوم بمصادرتها. ضمن أعضاء «مجلس السياسات الدفاعية» الأذكياء لم يكن هناك سوى هنري كيسنجر الذي اعترض على التحدث بهذه الطريقة عن السعوديين كخصوم استراتيجيين للولايات المتحدة.

وحينما تأتي المسألة القانونية فانها لا تكون مشمولة ضمن نقاشات «الهواة» لأنهم يأخذون حق الولايات المتحدة في أن تقوم بأي شيء تريده، كشيء مسلم به ومبرر. وهذه الحكومة تصر بشكل مستمر على إعفائها من الالتزام بالقانون الدولي، وظلت ترفض القيود التي تفرضها الاتفاقيات التي وقعتها الحكومات الأميركية السابقة، وهي تطالب اليوم بأن تعفى من بعض القيود الدستورية أيضا.

ويبدو أن الحكومة الأميركية الحالية تعتبر أن الولايات المتحدة معفية أيضا من الالتزام بالقوانين المتعلقة بالحروب والمعايير التقليدية التي تميز بين حرب عادلة وحرب ظالمة. وعلى الرغم من أن هذه المعايير لها سلطة فلسفية أو أخلاقية لكنها ظلت تؤخذ بشكل جدي من قبل الحكومات الأميركية السابقة، ونحن نتذكر النقاشات التي دارت حول الحرب النووية في الخمسينات والستينات من القرن الماضي.

هل هناك بديل لهذه الحرب؟ وهل استُنفدت كل الامكانيات الأخرى التي تحقق أهداف هذه الحرب بدون خوضها؟ هل الحرب هي الوسيلة الوحيدة والضرورية لتحقيق هدف عادل؟ ما هو موقف أولئك الذين يقومون بالحرب: هل يستهدفون تحقيق الخير بأقل أذى ممكن؟ أم تعظيم القوى التي في حوزتهم وفي حوزة البلد على حساب حياة الآخرين أو مطالبهم الشرعية؟

بالنسبة لشركة «راند كوربوريتشن»، ظلت هذه الأمور المطروحة موضع استغراب دائم. وكان الأجدر بهذه الشركة الذكية وسمعتها أن تبعث بمذكرات حول حروب عادلة إلى واشنطن بدلا من التحفيز على حرب عدوانية وعلى تجاوزات للقانون الدولي.

مع ذلك ما يبعث على العزاء لما يقوم به بوش وإدارته، ما كتبه والتر ليبمان ذات مرة: «لا بدّ أن يكون الفشل هو مصير تلك السياسات التي تخرق بشكل متعمد تعهداتنا ومبادئنا ومعاهداتنا وقوانينا، فالضمير الأميركي حقيقة واقعة».

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ (خاص بـ«الشرق الأوسط»)