حرب الداخل والخارج

TT

يقول الرئيس الياس الهراوي في مذكراته إن الحكومة اللبنانية أرادت اقتحام المخيمات الفلسطينية لكن رئيس الأركان السوري السابق العماد حكمت الشهابي نصحه بعدم الإقدام على ذلك «لأن الدول العربية لن تسمح بضرب الفلسطينيين».

وقبل أكثر من عام أحالت الدولة اللبنانية ممثل «فتح» في مخيم عين الحلوة العقيد سلطان أبو العينين إلى القضاء، فامتنع عن المثول وأعطى مقابلة مطولة لقناة «الجزيرة» ضد السلطات اللبنانية، وبعد يومين أعلن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات ترقيته إلى رتبة عميد.

الآن يخوض العميد سلطان أبو العينين معركة مسلحة وسياسية ضارية ضد العناصر اللبنانية والفلسطينية التي حولت مخيم عين الحلوة إلى معقل للهاربين من القضاء بعد اغتيال أربعة قضاة على المنصة في صيدا وعدد من العسكريين واحداث موجة تفجيرات واسعة. ويعكس الصراع في المخيم بالطبع، الصراع السياسي القائم في فلسطين، مضافا إليه «العنصر اللبناني» أي رجال «القاعدة» الذين فروا من جبال طرابلس إلى المخيم القائم على كتف صيدا. ويمكن لأي منا أن يتصور الحياة التي يعيشها أهل المخيم هذه الأيام، ما بين عناصر مسلحة تتقاتل في الشوارع الضيقة وبين البيوت الضيقة وفي الأزقة الضيقة وفي فسحات الحياة الضيقة.

ولا يهم إلى ماذا سيؤدي القتال الشرس في نهاية الأمر، ومن ينتصر على من في بؤس المخيمات وجحيمها وصناعة اليأس والعذاب فيها. لكن المهم في كل ذلك أنه للمرة الأولى منذ 1948 ترسل المخيمات إلى الخارج صورة عما يجري في الداخل. وهذا القتال الرديء والسيئ بين الفصائل يجرد المخيمات من حصانتها أمام العرب الذين كانوا يهبون لنجدتها كلما فكرت الدولة اللبنانية باقتحامها. والمتقاتلون يعطون صورة أكثر رداءة عن أهدافهم وأغراضهم، عندما ينتقلون من ضرب واغتيال الأمن اللبناني إلى ضرب الأمن الفلسطيني. وهم يقدمون للدولة اللبنانية على صحن من الذهب، حجتها بأنها لا تستطيع الاستمرار في تجاهل ما يحدث داخل المخيمات، حيث تقوم «دولة داخل الدولة». وتؤكد مظاهر السلاح الثقيل ما كانت الدولة تعلنه دائما وما كان العميد أبو العينين ينفيه دائما، من أن السلاح يهرب إلى المخيم على نطاق واسع ومثير للقلق. وهذا السلاح بالذات هو الذي يحاول أبو العينين مواجهته اليوم. ومثل هذه المواجهة باب مفتوح على طريق مسدود. طريق مسدود في وجه الجميع: «فتح» والدولة اللبنانية وسكان مخيمات البؤس والذل والعذاب. أيًا تكن النتائج فهي ليست في صالح أحد. فالجميع خاسرون في معركة سوف تخرج أضرارها من المخيم إلى لبنان إلى فلسطين. والدولة اللبنانية غير قادرة على التدخل لكي لا يقال إنها تضرب الفلسطينيين. وخلال أزمة أبو العينين الماضية قال لي الرئيس اميل لحود، إن الدولة تدرك أنها إذا اقتحمت المخيمات فسوف تنتصر، لكنني لا أريد انتصارا ثمنه هذا الحجم من الضحايا.

يقول وزير الدفاع اللبناني خليل الهراوي إن ما يحدث في المخيم لا يخدم سوى إسرائيل. وهو كلام مردد ويريد صاحبه عادة تجنب الصراحة وتسمية الأشياء بأسمائها. لكنه كلام لم يكن مرة بهذه الدقة كما هو الآن. فالصور الخارجة من المخيم إلى العالم عن صراع دموي بين الفلسطينيين تنسي الناس الفتك الوحشي بالفلسطينيين في الداخل، وتصورهم جماعات خارجة على القانون لا تستطيع التعايش حتى في المناطق الذاتية، ويحدث ذلك كله في أسوأ الأوقات الفلسطينية وغياب المرجعيات.