واشنطن تربح معركة.. وتخسر حربا

TT

اذا مضت أميركا قدما ونفذت تهديدها بضرب العراق فانها ستربح معركة لكنها ستخسر الحرب. فالآلة العسكرية الاميركية يمكنها ان تكسب الجولة أمام العراق بسبب تفوقها الكبير والواضح، علما بأن نوعية المعارك قد تكون مختلفة هذه المرة عن حرب الخليج لأن النظام العراقي يقاتل دفاعا عن بقائه وداخل ارضه وسيلجأ حتما الى اساليب ستكلف اميركا ضحايا. كما ان الولايات المتحدة سوف تستخدم من جانبها اساليب مختلفة تعتمد الى حد كبير على تجربتها في افغانستان، اي استخدام اسلوب المزج بين الحرب المباشرة بالدفع بقوات اميركية الى ساحة القتال، والحرب بالواسطة عن طريق اشراك المعارضة في المعركة.

لكن في المقابل فان اميركا قد تخسر حرب الارهاب التي جعلتها ادارة بوش هدفها الأول منذ احداث سبتمبر. فالحرب على العراق ستثير اضطرابات وقلاقل في المنطقة المتوترة اصلا بسبب الحرب الاسرائيلية الراهنة على الفلسطينيين، والحرب المستمرة في افغانستان، والتداعيات الأوسع لحرب الارهاب. ومن هذا المنطلق فان الدول العربية تجمع على رفض هذه الحرب، بينما تبدي غالبية دول العالم تحفظها وتمتنع حتى الآن عن تأييد الادارة الاميركية المندفعة بشدة، تحت ضغط جناح الصقور، نحو الحرب.

واذا كانت الادارة الاميركية تطرح منذ احداث سبتمبر سؤال «لماذا يكرهوننا»، فانها قد تجد الاجابة في رفضها الاستماع الى تحفظات الآخرين على بعض سياساتها، خصوصا تلك السياسات التي تصب الزيت على النار وتؤدي الى اثارة المزيد من القلاقل وتفرز المزيد من العنف والتطرف. فهناك كثيرون اليوم يرون في الاندفاع الاميركي لضرب العراق، توجها يخدم اسرائيل واستراتيجيتها في المنطقة اكثر مما يخدم مصالح اميركا بعيدة المدى. وهناك آخرون يرون ان ضرب العراق سيكون مقدمة لعمليات تالية مستقبلا تستهدف دولا اخرى. فقبول مبدأ ازاحة الأنظمة بالتدخل العسكري الخارجي سيسجل سابقة خطيرة، في عالم مضطرب. إذ ما الذي يمنع صقور واشنطن من توجيه مدافعهم مستقبلا نحو ايران التي صنفها بوش ضمن «محور الشر»، او نحو سورية التي يضعها اللوبي الاسرائيلي نصب عينيه. بل ما الذي يمنع دول العالم الأخرى من الاقتداء «بالمذهب الاميركي» بحيث تلجأ كل دولة قوية الى محاولة تغيير نظام دولة اخرى على خلاف معها، مستخدمة قوتها وغير آبهة لاحتجاجات الدول الأخرى.

صحيح ان اميركا تتحدث عن انها تعتبر مسعى العراق لامتلاك اسلحة الدمار الشامل تهديدا لها، خصوصا في ظل المفاهيم الجديدة لحرب الارهاب، كما تستخدم حجة ان العراق لم ينفذ كامل تعهداته وفقا للقرارات الدولية. لكن حتى هذا المنطق يبدو ضعيفا عندما يرى المرء ان اميركا تغض النظر عن اسلحة الدمار الشامل الاسرائيلية وتسعى فقط لتجريد العرب من اي سلاح يوازن قوة اسرائيل، وان واشنطن لا تفعل شيئا، بل ربما تشجع تل ابيب عندما تضرب بعرض الحائط كل القرارات الدولية.

ان واشنطن قد تستفيد اذا استمعت الى الأصوات الصادرة حتى من داخل اميركا، محذرة من الاندفاع في التوجه نحو ضرب العراق.. اما اذا اختارت تجاهل كل هذه الأصوات فان عليها ان تستعد لتبعات هذا الموقف خصوصا على صعيد حرب الارهاب.