الطريق إلى بغداد يمر بمجلس الأمن الدولي

TT

طريق بغداد لا بد أن يمر بمجلس الأمن الدولي. هذه الحقيقة البسيطة يجب أن تعترف بها إدارة جورج بوش إذا ما أرادت الحصول على التأييد الدولي المطلوب لنجاح المهمة في العراق.

ومن أجل حشد مثل هذا التأييد، لا بد من إصدار قرار جديد لمجلس الأمن الدولي، يسمح باستخدام القوة، إذا ما امتنع صدام حسين عن السماح بنظام محكم لتفتيش الأسلحة، يتضمن إمكانية تفتيش أي موقع بدون طلب مبكر وفي أي وقت.

مثل هذا القرار سيوفر لتلك الدول الراغبة في دعم مساعي الإطاحة بصدام حسين (مثل تركيا وبريطانيا)، غطاء شرعيا حيويا لعمل ما، كما سيتيح إمكانية ممارسة الضغوط على أولئك الذين لم يحسموا مواقفهم أو يعارضون الخطة (مثل المانيا وفرنسا والسعودية).

ورغم ان مجلس الأمن كان، إلى حد ما، نتاجا لجهود أميركية خلال نهاية الحرب العالمية الثانية، الا أن قلة محدودة من الأميركيين اليوم يقدرون مدى القوة التي يمكن أن يوفرها قرار لمجلس الأمن الدولي يسمح بالتدخل العسكري، معنويا وسياسيا، على مستوى العالم. ومثل هذا القرار يمكن أن يحشد الرأي العام الدولي ويفرض اتخاذ إجراءات صارمة، ويخفف من حدة الانتقاد. ويمكن السعي لمثل هذا القرار بدون إضعاف قدرة الرئيس على اتخاذ قرار مباشر في حالة تعرض المصالح الأميركية الحيوية للخطر. وإذا ما نجحنا في استصدار القرار الدولي فإن ذلك سيعزز سلطة أميركا.

لقد استوعبت إدارة بوش (الأب) مثل هذه المسألة بدقة، ربما لان جورج هيربرت وولكر بوش كان قد شغل ذات يوم منصب السفير الأميركي لدى الامم المتحدة. وقد تمكن وزير الخارجية جيمس بيكر والسفير الأميركي لدى الأمم المتحدة توماس بيكرنغ، بمهارة من حشد الدعم الدولي عبر تصويت مجلس الأمن الذي تم قبل عملية عاصفة الصحراء.

أما اليوم، ولسوء الطالع، فإن تعامل واشنطن مع الأمم المتحدة مختلف. فعلى الرغم من أن فكرة تجاوز مجلس الأمن قد تكون خطرت على بال هذه الإدارة، باستثناء وزير الخارجية كولن باول، لم تبد واشنطن الاحترام المطلوب للأمم المتحدة، بل أضعفت قدراتها على خوض مواجهات غير مطلوبة بشأن قضايا ثانوية وتوجيه إهانات دورية لا مسوغ لها.

لكن لا يمكن للولايات المتحدة أن تشن حملة ضد صدام حسين بدون حلفاء، كما ان الحكومتين في بريطانيا وتركيا، اللتين تحتاج الولايات المتحدة لتأييدهما، تواجهان معارضة داخلية متزايدة بشأن العراق. وخلال الشهر الماضي قال لي مستشار لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير، بمرارة، إن واشنطن «لم تمنح بلير أي شيء»، مقابل دعمه اللامحدود، حتى مع تنامي المعارضة البريطانية الداخلية لموقف بلير المؤيد لأميركا.

قد يطرح البعض أنه ما دام صدام حسين قد انتهك بوضوح قرارات مجلس الأمن التي يعود تاريخها إلى عام 1991، فانه ما زال هناك «تفويض شرعي كاف» لاستخدام القوة ضد النظام العراقي. وقد يكون لهذا الطرح بعض الأساس من ناحية قانونية، لكنه لا يكتسب سندا سياسيا واقعيا. وكما أوضح بيكر بنفسه مؤخرا، فإنه لا يمكن التهيئة لعمل عسكري ضد صدام حسين استنادا إلى قرارات مجلس الأمن الحالية فقط.

أمام صانعي القرار في واشنطن ثلاث قضايا هامة لا بد أن يفكروا فيها وهم يبحثون مسار مجلس الأمن: أولها ان العراق قد يقبل بعمليات التفتيش، ثم يخادع (مرة أخرى). وثانيها، إن روسيا وفرنسا ستثبطان من همة أي قرار إلى حد جعله بلا معنى. وثالثها، إن القرار لن يسمح بتغيير النظام بل بتحقيق هدف أقل أهمية، كإزالة أسلحة الدمار الشامل.

فيما يتعلق بالنقطة الأولى، فإن روسيا وفرنسا والصين تعد دولا أساسية، وأي منها قد يعطل اتخاذ مجلس الأمن لإجراء ما باستخدام حق النقض (الفيتو)، لكن لو كانت علاقة بوش ـ بوتين قد أتت ثمارها، فسيتوجب على موسكو تأييد إقرار نظام أشد صرامة، وقد لمحت بالفعل، وبطريقة غير معلنة، إلى إستعدادها للقيام بذلك. أما بالنسبة لفرنسا، فإنها بلا شك ستلعب دورها المعتاد كحليف مستعص يثير المتاعب، لكنها في نهاية المطاف، لن تقف عائقا أمام الإرادة الصلبة لأميركا وبريطانيا. وإذا ما دعمت لندن واشنطن بلا هوادة، فسيتسني إصدار قرار قوي يوفر الأساس لعمل عسكري. أما الصين فقد يؤنبها ضميرها، لكنها لن تستخدم حق النقض في مواجهة بقية المجتمع الدولي.

وهكذا، فإن الرهان هنا سيكون على مدى فعالية الدبلوماسية الأميركية ـ بما في ذلك الجهود المباشرة للرئيس، كما حدث بشكل معروف عندما بذل الرئيس بوش (الأب) جهودا شخصية لإقامة التحالف ـ في استصدار قرار قوي لمجلس الأمن الدولي يضع أساس عمل عسكري فوري، في حالة انتهاك العراق له، كما سبق له انتهاك القرارات السابقة. وعلى أية حال، لو تعذر إصدار مثل هذا القرار، ستكون الإدارة الأميركية، وقد بذلت أفضل جهد مخلص لدى مجلس الأمن، في موقف أفضل بكثير، يمكنها من حشد التأييد الدولي والداخلي لعمل ما، مقارنة بالموقف الذي ستكون عليه لو لم تفعل ذلك.

وفيما يتعلق بأهداف السياسة الأميركية، فإن هذه الإدارة دعت «وهي على حق» إلى تغيير النظام. لكن لسوء الطالع فإن عددا قليلا من دول العالم، وخاصة دول المنطقة، سيشارك علنا في تحقيق هذا الهدف. وقد تحاول بعض الدول الأخرى حصر أي قرار دولي في قضية أسلحة الدمار الشامل. وهذه، على أية حال، مشكلة أصغر مما قد تبدو للوهلة الأولى. ولو بدأ عمل عسكري ضد بغداد، فسيتبين على الفور إنه من غير الممكن إزالة أسلحة الدمار الشامل بدون تغيير النظام.

وبالنظر إلى أن حجم الجيش العراقي يقترب فقط من ثلث حجمه قبل الحرب الأخيرة، في حين ان القوات الأميركية باتت أكثر قوة، مما يرجح نجاح الاميركيين، لكن لا احد يستطيع التكهن بدقة حول ما سيحدث حين تندلع الحرب. فهل ستحدث عملية اغتيال أو عصيان أو انهيار للجيش العراقي أو نصر سريع يجنبنا خطر مهاجمة الصواريخ العراقية لإسرائيل أو مواجهة طويلة الأمد، أو شيء أسوأ من هذا كله؟

مهما حدث، سيكون عسيرا وقف العمل ضد صدام، متى ما بدأ، حتى تتحقق أهدافه، وحتى يتسنى إثبات تفوق قوة الولايات المتحدة التي لا تنازع.

سيحظى الرئيس بتأييد الشعب الأميركي وهو يتخذ القرارات الصعبة التي سيكون عليه اتخاذها عاجلا، لكن موقفه سيتعزز بقوة لو إنه تذكر أهمية اللجوء لكل وسيلة غير عسكرية تحت تصرفه من أجل حشد التأييد الدولي ـ ابتداء من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.

* مندوب سابق لأميركا لدى الأمم المتحدة خلال فترة رئاسة بيل كلينتون

خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»