قد نكسب العراق لكننا قد نخسر أصدقاءنا

TT

آن الاوان لكي نسمع عن العراق منا نحن مخلوعي الافئدة العاجزين.

حتى الآن تجري الهيمنة على الجدل من قبل تلك النماذج التي يكسو الشعر الكثيف صدورها، والتي تسحق الصراصير بأياديها العارية، وتحرض على الغزو باعتباره مسألة مبدئية، ومن قبل الحمائم الذين يلوون اياديهم المتشابكة توجعا، والذين هم خصوم مبدئيون لأي عمل عسكري منفرد، الا اذا كان من اجل صيد الحيتان.

غير ان كثيرا منا ليسوا مبدئيين. فبالنسبة لنا تبدو المناقشة القائمة حول العراق غير ذات صلة، الى حد كبير، بالمسألة الاساسية. فالقضية الفعلية هي ليست ما اذا كنا نريد الاطاحة بصدام، وانما اي ثمن يتعين علينا ان ندفعه من اجل انجاز هذه المهمة.

وهذه هي الطريقة التي ينظر بها الناس الى الامور، فقد كشف استطلاع للرأي اجري الشهر الحالي ان الاميركيين، عموما، يفضلون غزو العراق بنسبة 57 في المائة مقابل 36 في المائة، ولكن اذا كان عدد الضحايا الاميركيين كبيرا فان اغلبية، عندئذ، تعارض الغزو، بنسبة 51 في المائة مقابل 40 في المائة.

وبكلمات اخرى فان معظمنا وطنيون نتميز بالجبن، نريد انتصارا سهلا، لكننا نجفل وننكمش ذعرا من انتصار صعب. ويضايقني الحديث عن الجبن، ولكنها طريقة معالجة عملية، وكبلد غالبا ما ابتعدنا، ببراعة، عن المغامرات الخطرة.

وعلى سبيل المثال، فكوريا الشمالية تشكل تهديدا اشد خطرا من العراق. ولكوريا الشمالية ارتباطات اقوى بالنشاط الارهابي، وهي تدير برنامج اسلحة بيولوجية، وكيمياوية، ونووية اكثر تقدما، وتستهدف القواعد العسكرية الاميركية، وتطور صواريخ يمكن ان يصل مداها كثيرا من المناطق.

غير ان هناك مبررا معقولا في ان الرئيس بوش لا يتحدث عن الاطاحة بـ«الزعيم المحبوب» كيم يونغ، الثاني. واذا ما حاولنا ذلك فان الزعيم المحبوب سيقصف كوريا الجنوبية واليابان بغاز الاعصاب او حتى بالرؤوس الحربية النووية، ويقتل (وفقا لاحدى دراسات وزارة الدفاع «البنتاغون») ما يصل الى مليون شخص.

وقد يكون العراق مختلفا الى حد بعيد. فقد اقنعني الرئيس بوش بأنه ليس هناك مبرر فلسفي يفرض عينا عدم الاطاحة بالحكومة العراقية، اذا ما اخذنا بالحسبان ان العراقيين انفسهم سيكونون في وضع افضل، مع بقية دول العالم. ولكن السيد بوش لم يذلل بعض الاشكالات العملية بشأن الغزو. وتشمل هذه الاشكالات، التي نحتاج الى التركيز عليها في الاشهر المقبلة:

1 ـ هل نستطيع الاطاحة بصدام سريعا، وبثمن مقبول من الضحايا؟ ان صدام سيكون، هذه المرة، من البراعة بما يكفي لعدم ارساله قواته البالغة 350 الف شخص الى الصحراء حيث يكونون اهدافا واضحة. وبدلا من ذلك قد يبقيهم في المدن، محاطين بمدنيين، حيث لا تستطيع الولايات المتحدة ان تقصفهم بسهولة.

2 ـ هل سيحرض الغزو على شن هجمات كيماوية بدلا من منعها؟ من الصعب رؤية انه لماذا يمكن لصدام، اذا ما ترك في السلطة، المغامرة بمستقبله عبر استخدام الانثراكس وجراثيم الجدري في عمليات الارهاب. ولكن اذا ما قمنا بالغزو، فسيكون لديه الدافع لاستخدامها او خسرانها. ويخشى المخططون العسكريون، بشكل خاص، من امكانية اسقاطه غاز الاعصاب على تل ابيب، بأمل تحويل غزو العراق الى حرب بين العرب واسرائيل. وتملك الحجة المقابلة قوة ايضا فهي تقضي بان من الافضل مواجهة خطر متواضع اليوم بدلا من صدام الذي يمتلك اسلحة نووية غدا. ولكن صدام يبلغ الخامسة والستين من العمر، وقد يقضي نحبه في الغد.

3 ـ هل لدينا خطة لعراق ما بعد صدام؟ يجب ان لا نسلم البلد، ببساطة، الى جنرال آخر يأتي من اقلية سنية تبلغ نسبتها 20 في المائة. ولكن هل ادارة بوش مستعدة حقا، اذا ما اخذنا بالحسبان قلقها بشأن ايران الشيعية، لان تسلم السلطة ديمقراطيا الى الاغلبية الشيعية التي تشكل نسبة 60 في المائة؟

4 ـ هل الصحراء العراقية هي المكان الافضل لانفاق 55 مليار دولار؟ ان خوض حرب ربما سيكلف 35 مليار دولار، بينما ستتطلب اعادة بناء العراق 20 مليار دولار اخرى. وهذا يزيد على الانفاق السنوي للحكومة الفيدرالية على التعليم الابتدائي والثانوية والابحاث في مجال الصحة معا.

5 ـ هل تقف حرب على العراق عائقا امام الحرب على الارهاب؟ ان الغضب الذي ينفجر في العالم العربي ضد غزونا العراق يمكن ان يؤدي الى تصاعد في النزعة المعادية لاميركا، ودعم متزايد للقاعدة، وانهيار لحكومتي القاهرة والرياض.

فماذا اذا ربحنا في العراق، ولكن خسرنا في المملكة العربية السعودية؟

قد يكون الرئيس بوش قادرا، الى حد كبير، على اجتياز هذه الاختبارات الخمسة. وعلى سبيل المثال، اذا ما استطعنا ان نحقق نصرا سريعا، ونقيم نظاما ديمقراطيا مزدهرا في العراق، فان هذا سيعزز كفاحنا ضد الارهاب، ولا يجعله يتراجع او يواجه عقبات. وعندئذ فأنا وطني متعصب ايضا.

وهكذا فانه اذا ما عالج السيد بوش، حقا، هذه الامور، وفكر بها مليا، وتوصل، بالتالي، الى ان الامر، بالموازنة يستحق غزوا، فانني سأشعر بالطمأنينة. ولكن بدلا من ذلك يبدو كما لو ان الرئيس، وقد اسكره الوضوح الاخلاقي، قرر انه مهما كان الثمن، ومهما كانت المخاطر، فانه سيغزو العراق.

وذلك ليس سياسة، بل هاجس واستحواذ.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»