قبلة النمرة

TT

لا أحد يستطيع ترويض النمرة، وحين نظن اننا روضناها تكون في الواقع قد فقدت «نمريتها» وتوحشها وصارت شيئا آخر يخلط الالفة بالطاعة، وبقايا الوحشية والتفرد بالتزام خط الجماعة.

وان صدق شكسبير فلا شيء يروض النمرات غير الحب، وهذا المعنى يختبئ بين السطور اما الظاهر فهو السوط والصفع والضرب على القفا، وهذا ما جعل مسرحية «ترويض النمرة» تختفي عن مسارح العالم منذ ان قويت شوكة الحركات النسائية في الستينات، فهؤلاء لا يردن لمشاهد اهانة النساء وضربهن ان تظهر على الخشبات ولو على سبيل المثال.

وكان الحل العبقري اميركيا بامتياز، اي انه يقوم على الخداع، والمناورة، ففي تلك البلاد اخترعوا المسرحية الموسيقية الشهيرة Kiss me Kate.

التي تقوم فكرتها على دمج النصوص وحشو مسرحية داخل اخرى. فالنص الاساسي لمسرحية «قبليني يا كيت» قصة حب بين فنانة وفنان يمثلان معا مسرحية شكسبير «ترويض النمرة» وتحت هذا الغطاء صار يمكن ان نشاهد امرأة تصفع وتضرب على ردفيها علنا تحت الاضواء.

وللدقة التاريخية، فإن تلك المسرحية الموسيقية قدمت في «برودواي» لأول مرة عام 1948 وصفق الناس لها كثيرا ـ آنذاك ـ لانها كانت تحمل شحنة كبيرة من التفاؤل تحتاجها البشرية بعد حربها الثانية المدمرة، وبعد ان قويت الحركات النسائية صارت مناظر صفع اقفية النساء تخف في كل عرض وحين وصلت المسرحية الى لندن بثوب جديد اواخر العام الماضي كان هناك منظر وحيد يصفع فيه (بيتروشيو) قفا النمرة كاترين على طريقة العصر الشكسبيري.

وكان الحل الاميركي بالايحاء، فقد استأجر مروض النمرة العصرية شخصين لتأديبها كانا يظهران على الدوام الى جانبها وبأيديهما السياط الجلدية الطويلة والراية الملونة لزوم خلط الكوميديا بالتراجيديا والحاضر بالماضي.

وقد اوشكت هذه المسرحية بصيغتها التي عرضت في بريطانيا ان تفشل فشلا ذريعا في اميركا فبعد قرابة عامين من العروض المتواصلة وقعت احداث الحادي عشر من سبتمبر (ايلول)، وبدأ الناس يتخوفون من الذهاب الجماعي الى الصالات المغلقة وبدلا من ان يسدل الستار على مسرحية ناجحة تبرع الممثلون باجورهم العالية نسبيا وانقذوا المسرحية، فعادت وصمدت لأن روح التحدي في الناس تدفعهم في الازمات الى البحث عن التفاؤل الحقيقي ـ ان وجد ـ والا فالمجاني.

وخارج جرعة التفاؤل فإن هذا النوع من المسرحيات يكتب له النجاح اينما حل لان الناس وبكل اللغات والثقافات لا تمل من قصص الحب الفاشل فما بالك بقصص الحب المنتصر على الطرق المصرية والهندية والاميركية.

وبصراحة فإن انتصار الحب في مسرحية «قبليني يا كيت» اسوأ عمل يمكن ان يقوم به فنان، لكن ماذا يفعل المخرج «والجمهور عاوز كده» وما دام «عاوز» فلا بأس من تخديره واستعباطه ودفعه للتصفيق عدة دقائق في المشهد الاخير الذي تهرب فيه الممثلة من الجنرال وتعود لتكمل مسرحية ترويض النمرة مع الممثل البسيط بقبلة طويلة ـ طبعا ـ فدون تلك القبلة لا يكون هناك اي معنى لاسم المسرحية.

ان للمزاوجة بين القديم والحديث جمالياتها ولخلط قصة حب واقعية بحكاية حب ممسرحة ايجابياتها الدرامية وكل هذا واضح ومفهوم، اما غير المفهوم، فهو استبدال شخصية السيناتور في المسرحية الاصلية بشخصية الجنرال في النسخة اللندنية وان قلت ان هذا لزوم مرحلة العسكرتاريا الاميركية التي تغزو العالم، فدعني اذكرك بان المسرحية تم انتاجها والتدريب عليها قبل احداث سبتمبر.

وبعيدا عن السناتور والجنرال والمؤلفين الجدد تظل نكهة شكسبير هي الطاغية وخصوصا كلماته التي تحولت الى اغنيات واهمها اغنية النمرة التي تكره الرجال وتقول دون مراعاة لمشاعرهم: ان كانوا يفاخرون بالشعر الذي على اجسادهم فإن الكلاب مشعرة بشكل افضل.

شكسبير شخصيا لم يكن ضد النساء ولولا مشاهد «صفع الأقفية» لكان للحركات النسائية منه موقف يختلف عن الانتقاد والتهديد وتحريم تمثيل بعض المشاهد، ويكفيهن انه استنتج ان الترويض بالحب وليس بالسوط، وهذا يعني انه ما من شيء يكسر مقاومتهن مثل عواطفهن، فحذار من الحب، وحذار ـ رغم النهاية السعيدة للمسرحية ـ من دلع النمرات المروضات وغباء الاسود المروضين.

ولك ان تقرأ الكلمة الاخيرة بفتح الواو او كسرها ففي مجال العلاقة بين الجنسين يختلف فهم الترويض حسب الرغبة، والادراك، والنية.