أسعار النفط لن تعتمد على العراق بل على جيرانه

TT

حتى الشهرين الماضيين، مثل العراق، الذي بات اليوم لفظا يرتبط بالحرب، أحد أهم مصدري النفط الذي تستورده الولايات المتحدة من الخارج. وخلال الاسبوع الماضي بلغت أسعار النفط 30 دولارا أميركيا للبرميل الواحد، لأسباب منها ما يتعلق بالخوف من مشاعر العداء هذه، وما يتعلق بالتصعيد المتواصل للجدل الدائر بشأن هذه القضية.

لكن ما هي العلاقة الحقيقية للحرب ضد العراق بالنفط؟ فالبعض يخشى من أن تؤدي هذه الحرب الى ارتفاع كبير في أسعاره، والى احداث هزة عنيفة جديدة ستصيب الاقتصاد الأميركي والعالمي بأزمة. مع أنه وما لم تمتد الحرب وحالة القلق الى دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط، فان الآثار المتوقعة، والخاصة بالنفط، قد تكون أقل محدودية مما توقعه العديد من الخبراء.

قد يبدو هذا الطرح غريبا، فالعراق على أية حال طرف رئيسي في عالم النفط ويمكن لدوره أن يزداد أهمية. لكن وخلال الأعوام الأخيرة، عزل العراق نفسه بشكل كبير كمصدر رئيسي للنفط الى درجة ان سوق النفط العالمي ازدهر تقريبا معتادا على عدم مصداقيته. وخلال الربيع الأخير قرر العراق بشكل منفرد وقف صادرات نفطه لشهر واحد، في مسعى لفرض حظر نفطي جديد. وهي مسألة لم يلحظها العالم على ما يبدو. كما ان عددا من المصدرين كانوا ممتنين لاتاحة الفرصة لهم لملء الفراغ، وبيع مزيد من النفط وجمع أموال اضافية.

قبل عقد مضى كان النفط عاملا رئيسيا عندما قرر العراق غزو الكويت وتهديد حقول النفط السعودية. لكن التركيز حينها أيضا لم ينصب على مصادر النفط بقدر قدرة العراق على تحويل النفط لمصدر قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية، خاصة ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل.

أما الآن فالجدل ينصب حول أسلحة الدمار الشامل تلك وحول الطبيعة المستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط التي تعصف بها أزمة. فتهميش العراق مسألة فرضها قادته عليه، وقد أدى الى شحة الاستثمارات والى العزلة والى تبنيه لقراراته السياسية الخاصة به.

خلال سنوات الذروة بلغ انتاج العراق من النفط في عام 1979، وقبل حربه مع ايران، 3.5 مليون برميل يوميا. واليوم يمكنه أن ينتج فقط حوالي ثلاثة ملايين برميل يوميا استنادا الى قدراته الحالية. لكن الانتاج الفعلي يقل عن ذلك بكثير، ويكاد يقترب من 1.8 مليون برميل ـ وهو جزء بسيط من انتاج النفط السعودي البالغ 8 ملايين برميل يوميا.

بعد تقدير استهلاكه المحلي وما يتم تهريبه من النفط، يقوم العراق بتصدير ما يقرب من مليون برميل يوميا. وهذا الانخفاض في حجم الصادرات يعكس المواجهة المحتدمة بين العراق ومنظمة الأمم المتحدة، التي تشرف على صادرات النفط العراقية وفقا لبرنامج النفط مقابل الغذاء، بسبب فرض العراق لنفقات تصدير غير مشروعة تذهب مباشرة لخزائن صدام حسين، بعيدا عن حسابات الأمم المتحدة.

على ان احتمالات الحرب في الخليج بلغت حد اثارة قلق السوق العالمية. فأسعار الاسبوع الماضي التي بلغت 28 وحتى 30 دولارا للبرميل الواحد تعني «زيادة مخاطر» تتراوح بين 5 الى 6 دولارات ـ الأمر الذي يعني اضافة مابين 10 الى 15 سنتا للجالون (الصفيحة) الذي يباع في محطات الوقود للسائقين الأميركيين. ما يعنيه هذا هو ان بعض زيادة الأسعار التي توقعها الناس نتيجة لمشاعر العداء السائدة، باتت بالفعل ملموسة في السوق. والآن يبدو ان الأسس التي يقوم عليها السوق تتعرض لأزمة كما ان التجار باتوا يترقبون بقلق اذا ما كانت منظمة الدول المصدرة للنفط سترفع حصتها عندما يعقد أعضاؤها اجتماعهم في أوساكا باليابان يوم 18 سبتمبر (أيلول) المقبل.

واذا ما اشتدت حدة المواجهة مع العراق فان صادراته من النفط ستتوقف بالتأكيد، الأمر الذي قد يعني ارتفاع الأسعار الى نحو 35 دولارا وربما 40 دولارا. وهذا الارتفاع ليس بنفس القدر الذي توقعه البعض. لكنه مع ذلك يتجاوز بكثير معدل 18 الى 25 دولارا للبرميل الواحد الذي يعتبره العديد من الخبراء سعرا «عاديا». فبلوغ مستوى الأسعار مابين 35 دولارا و40 دولارا سيعني عبئا اضافيا على الصناعات التي تعاني من أزمة مثل شركات الطيران وصناعة السيارات، والتي قد تتضرر مبيعاتها. يضاف الى ذلك ان مثل هذه الأسعار قد تلحق ضررا حقيقيا بالاقتصاد العالمي الذي يعاني هذه الأيام بالفعل من أزمة متفاقمة.

وستبدأ الأسعار بالانخفاض عندما يتسنى اقناع المشترين بأن نظام الامداد العالمي يعمل وبأن صادرات الدول الخليجية لم يلحقها أذى، وان بقية دول أوبك تقوم بتعويض صادرات العراق.

فخلال أزمة عامي 1990 و1991 حافظت الأسعار على ارتفاعها لعدة أشهر تحسبا لانخفاض محتمل في الصادرات متى ما اندلع القتال. لكنها انخفضت يوم بدء الحرب الجوية، عندما تبين ان حقول النفط السعودية لم تكن معرضة للخطر. وخلال تلك الأزمة، كان على منتجي النفط الآخرين تعويض 5 ملايين برميل نفط يوميا - تمثل مجموع انتاج العراق والكويت الذي اختفى من السوق العالمية بين عشية وضحاها. أما الآن فقد تكون المهمة أسهل بكثير. ونظرا لتهميش العراق لمكانته فان السوق سيكون بحاجة الى تعويض مليون برميل من صادرات النفط العراقي يوميا.

وهناك دول أخرى من دول أوبك لديها 6ملايين برميل من النفط غير المستخرج يوميا يمكنها تصديره بشكل عاجل من أجل تعويض براميل العراق المفقودة. نصف هذه الكمية لدى المملكة العربية السعودية، التي تتمسك بسياسة الحفاظ على فائض في امكانية التصدير يتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين برميل يوميا، أما البقية فيمكن للكويت ودولة الامارات العربية المتحدة انتاجها.

وهناك أيضا بعض القدرة الاضافية على الانتاج في الجزائر وليبيا ونيجيريا. أما فنزويلا ودول أميركا اللاتينية الأخرى فهي تنتج أقصى ما تستطيع ولا يمكنها توفير المزيد. وخلال الأشهر القليلة المقبلة قد تتمكن روسيا، التي تمر بفترة نمو انتاجي ملحوظة، من اضافة ما بين 100 الف الى 200 الف برميل في اليوم الواحد للسوق العالمي.

المشكلة الحقيقية تكمن في احتمال أن تتأثر دول خليجية أخرى مصدرة للنفط بالنزاع. لأن تكلفة ذلك ستكون عالية. وفيما يتعلق بالنفط، فان الخطورة تكمن هنا. حيث ستتجه الأنظار بشكل خاص الى تأمين منشآت الانتاج والتصدير في الكويت والسعودية. لأن ماحدث لآبار النفط الكويتية التي اشعلها العراق خلال نهاية حرب الخليج، ما يزال ماثلا للعيان.

وهناك أيضا خط دفاع حيوي ثان يتمثل في كمية النفط الخام الاحتياطي التي تبلغ 1.2 مليون برميل، والتي تحتفظ بها حكومات أوروبا الغربية. كما ان احتياطات أميركا الاستراتيجية من النفط تقدر بحوالي 600 مليون برميل. وهذه يمكن استخدامها عاجلا متى ما تعرض الاقتصاد العالمي لأزمة نفط تفوق المتوقع.

لو اندلعت الحرب فما الذي سيحدث عندما تنتهي؟ حول هذه المسألة يتحدث البعض عن تدفق النفط العراقي للسوق، الأمر الذي قد يؤدي الى انخفاض شديد في أسعاره. لكن من المستبعد أن يبادر العراق «الجديد» بضخ النفط، حتى لو أراد ذلك. وستكون أول مهمة للنظام الجديد استعادة القدرة على التصدير، والتي سيكون الأذى قد لحق بها نتيجة للحرب ولأساليب العمل المتخلفة. وقد تستغرق مهام اصلاح المشاكل الآنية بعض الوقت والمال. كما ان العودة بالقدرة على الانتاج للمستوى الذي كانت عليه خلال عام 1979 قد تستغرق وقتا طويلا اضافة الى استثمارات هائلة والكثير من التكنولوجيا المتطورة.

وفي الوقت نفسه قد تبدي شركات النفط العالمية اهتماما بما قد يحتويه باطن العراق، الذي بدأت خيراته في الظهور منذ عشرينات القرن الماضي. فالنفط اكتشف خلال عام 1927، في الاقليم الكردي. وقد حدث ذلك قبل عقد من اكتشاف النفط بكميات تجارية في السعودية والكويت. وفي عام 1973، بعد استيلاء بعث صدام على السلطة، قام العراق بطرد الشركات الدولية وبتأميم صناعة النفط. واليوم ها هو يحتفظ باحتياطات تقدر بـ112 مليار برميل، الأمر الذي يجعله ثاني أكبر احتياطي عالمي، متقدما على احتياطي الكويت، لكنه يعادل نسبة 40% من احتياطي السعودية، الذي يعد الأكبر من نوعه عالميا.

وعملية اعادة بناء المنشآت العراقية والمفاوضات التي سيجريها النظام الجديد في بغداد، عقب الحرب ـ من أجل العودة بالعراق الى مستواه المرتفع خلال عام 1979 ـ قد تستغرق مابين ثلاثة الى خمسة أعوام. وهكذا فلن يتمكن العراق من استعادة مكانته كمنتج رئيسي للنفط ولاعب أساسي في سوق النفط العالمي قبل عامي 2006 أو .2008

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»